الأربعاء، أبريل 19، 2023

عام على حرب كوباني

 عام على حرب كوباني

مصطفى عبدي



أيام قليلة وتمر الذكرى السنوية الأولى لحرب كوباني، الحرب التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش في 14 يوليو/ايلول 2014، بهدف السيطرة على ما سمّاها عين الإسلام وضمها الى دولته، مسخرا لذلك جيشا من مقاتليه المدربين، وأكثر أسلحته فتكاً من مدافع ودبابات، مع تخطيط وتحضيرات كبيرة في حصار وحرب شاملة من ثلاث اتجاهات، الأمر الذي أدى إلى نزوح ما يقارب نصف المليون مدني باتجاه تركية، ليسطر أهل كوباني بأنهم أول مدينة سورية رفضت قبول واحتضان داعش، حيث تمّ إخلاء أكثر من 400 قرية وبلدة، إضافة إلى المدينة التي رفض معظم سكانها البقاء فيها، وانتظار حكم دولة البغدادي.

كانت حرب داعش استكمالا للحرب التي أعلنتها جبهة النصرة، وفصائل من الجيش الحر على المدينة، والتهديد بأنهم سيصلّون العيد في جوامعها، فقبل تاريخ الحرب بعام قامت العشرات من الفصائل العسكرية بفرض حصار على كوباني، شمل قطع الكهرباء، والماء، ومنع حركة الموصلات، مع تنفيذ هجمات على القرى والبلدات الكردية، بالإضافة إلى اعتقالات شملت المئات من المدنيين، والموظفين والأطفال.

منذ تاريخ إعلان الحرب، وحتى نهاية ايلول 2014، أصبحت كوباني مدينة شبه خالية من المدنيين، غالبهم لجأ إلى مدينة سروج التركية، وقراها على امتداد الشريط الحدودي، وافترشوا الشوارع والصالات والجوامع طيلة أسابيع على أمل وثقة أن هزيمة التنظيم واقعة لا محالة، وأن عودتهم إلى مدينتهم قاب قوسين أو أدنى، فيما ظلّ آخرون في المنطقة المحرمة بين سكة القطار، والأسلاك الحدودية وهم يغامرون بخطر الألغام والقذائف التي تستهدفهم.

كانت أول غارة للتحالف الدولي على مواقع داعش، في الرابع والعشرين من سبتمبر، حينما استهدفت آليات للتنظيم في قرية "سي تلب" جنوبي كوباني 12 كم، ثم تتالت الغارات، ولكنها لم تستطع عرقلة تقدم داعش الذي كان يهاجم بأسلحته الثقيلة من مختلف المحاور، حتى دخل كوباني في منتصف تشرين الأول، معلناً احتلال أجزاء من المدينة بعد بسط سيطرته على أهم موقعين استراتيجيين وهما جبل مشتنور، وكري كاني، لتدخل المعركة مرحلة حرب الشوارع، رافقتها خطة إجلاء أولى للمدنيين في 9 أكتوبر 2014 باتجاه تركية، عبر بوابة مرشد بينار، ورغم أن المقاتلين الكرد كانوا قد تحضروا لمثل هذه الحرب لكن سرعان ما انهارت خطوط الجبهات سريعاً، نتيجة عدم تكافؤ نوعية السلاح المستخدم، وعدم وجود أسلحة مضادة للدروع، ليتقدم مسلحو داعش من محورين، في 10 نقاط توزعت بين الجبهة الشرقية، والجنوبية، والجنوب غربية حتى وصلوا الى نقاط متقدمة داخل المدينة مع التركيز على ارسال السيارات المفخخة واستهداف مدفعي وهاون لنقاط المقاومة المتبقية، بهدف الوصول إلى بوابة مرشد بينار، فتقدموا الى الجامع الكبير، والمصرف الزراعي جنوبا، ليحتلوا حي كاني، والمربع الأمني، حتى مطعم الكندي، ومنه الى شارع 48، وحي مقتلة، وحارة بوتان، والمشفى الحكومي حتى ساحة اكسبريس، بنسبة سيطرة وصلت الى 90%.

في ليلة العاشر من تشرين الأول، انهارت خطوط الدفاعات الأخيرة، وفقد الاتصال بين مجموعات الـ YPG  داخل المدينة، وتمكن مسلحو التنظيم من اختراق الجبهة الشرقية، واقتربوا من البوابة الحدودية، وكانت أصوات التكبيرات تتعالى، في تلك اللحظات، كان القرار الحاسم، خاصة وأن وسائل إعلامية عديدة قد أعلنت " سقوط كوباني"، ليصدم العالم بالخبر الذي هبط كالصاعقة بين مصدق ومكذب، في وقت كانت فيه التظاهرات تعم مختلف المدن التركية، محملين أردوغان مسؤولية ما يحدث، ما أدّى إلى سقوط 41 شهيدا، وأيضا كانت مختلف العواصم العالمية تصدح باسم كوباني ومقاومتها، وتطالب بالدعم الدولي وحمايتها، في تلك الساعات كان العالم برمته ينتظر الأخبار القادمة من تلك المدينة الصغيرة، وهي تتمثل قيم البطولة، والفداء، والقرار المصيري الذي اتخذه أبناؤها بالدفاع عنها حتى الرمق الأخير، ساحة بوابة مرشد بينار تحولت الى خط جبهة أخير، بقرار الاستمرار في القتال حتى آخر طلقة، فيما اعتقل الجنود الأتراك المجموعة الأولى التي دخلت أراضيهم من مرشد بينار وكان غالبهم صحفيين محليين، وبالفعل تم توزيع الأسلحة، وتقاسم الذخيرة القليلة الباقية وبدأ قسَمُ المقاومة حتى النهاية واتخاذ قرار الانتحار على تسليم المدينة.

تعالت تكبيرات داعش واقتربت، وعادت الطائرات إلى التحليق، وبدأت أصوات القصف تشتد ليتحول ليل كوباني إلى نهار من شدة الانفجارات، تدخل التحالف الدولي في اللحظات الحاسمة وكثف قصفه للمرة الأولى، الغارات لم تهدأ حتى الصباح، ومشطت مساحات هائلة بدءا من الجامع الكبير حتى جامع حج رشاد، وحارة بوتان، وساحة اكسبريس مما منح المقاومة فرصة لإعادة استجماع قواتها، وإعادة تنظيم الاتصالات مع مجموعاتها، ليبدأ التنسيق الفعلي الأول بين الـ YPG وطيران التحالف، وهو ما منح القوات على الأرض فرصة أكبر لإعادة تنظيم صفوفها وخاصة مع توافد المتطوعين بالعشرات الى داخل كوباني، وانضمامهم الى مقاومتها، وحتى الحصول على الذخيرة بالدعم الجوي عن طريق الطائرات الأمريكية بتاريخ 20 تشرين الاول 2014، وهو ما شكل نقطة انقلاب في المواقف الدولية وبالتحديد الموقف الأمريكي الذي كان يشكك في إمكانية صمود المدافعين عن كوباني لتتبدل النبرة إلى أن كوباني لن تسقط، فسجل مقاتلوا، ومقاتلات كوباني فصولا جديدة من المقاومة، فهم لم يطلبوا تدخلا دوليا، أو حماية جوية بقدر ما كانوا يطلبون الذخيرة، والأسلحة وفك الحصار عنهم.

كانت الحدود التركية مع كوباني تشهد انتفاضة إعلامية بتوافد المئات من الوسائل الإعلامية لنقل تفاصيل الحرب، والقصف، والنزوح في ظاهرة قلما تتكرر، حيث لم تبق وسيلة إعلامية إلا وسافرت باتجاه الحدود التركية مع كوباني، حتى وسائل الإعلام الأرضية، والمحلية، والإذاعات كانت تتحدث يومياً عن حرب كوباني، ومقاومة نسائها وأبطالها، وصمودهم، ومأساة النازحين، والكثير من الصحفيين، فعلى الرغم من المخاطر دخلوا إلى كوباني من خلال طرق وعرة وخطرة، لتوثيق حرب كوباني من الداخل ونقل مجرياتها، ولينقلوا صور مقاتلي كوباني ومقاتلاتها لتتألق صورهن في العالم حيث استطعن كسر اسطورة المحارب، في ظاهرة قلما تحدث في تاريخ الشرق بأن تظهر مقاتلات يحملون البنادق ويتوجهون الى الصفوف الامامية على الجبهات المشتعلة ضد داعش، تلك المقاتلات اللاتي تميزن بالبسالة والشجاعة، وحاربن الارهاب وجها لوجه بكل عزم، وإصرار الى جانب مقاتلي كوباني ليصبح صمودهم احدى معجزات القرن.

كانت الحدود أيضاً على طول خط كوباني مكاناً لفرق المتطوعين الكرد من مختلف المدن التركية وبعض الاجانب، الذين كانوا ينظمون فرق أمن، وحراسة، وإغاثة، وتأمين نقل المقاتلين إلى الداخل، والدعم المعنوي للمقاومة في صورة تكامل المقاومة، ومساندتها.

تاريخ 31من الشهر ذاته كان مختلفاً بالنسبة لكوباني، فهو اليوم الذي نجحت فيه قوات البشمركة بالدخول إلى المدينة وهي تحمل معها الأسلحة الثقيلة والذخيرة القادمة من إقليم كردستان، فقبل هذا التاريخ وبأسبوع كانت المقاومة في كوباني تعيش أصعب مراحلها، فداعش كثّف من هجماته وقصفه للسيطرة على المدينة وكانت منطقة البوابة تقصف يومياً بالمئات من القذائف، وتفجير السيارات المفخخة، في محاولات متكررة لإنهاء المعركة قبل وصول البشمركة، لكن مقاتلو كوباني صمدوا وتمكنوا من صد كل المحاولات، في فترة عصيبة كانت فيها تركية تراهن على سقوطها، حتى نجحت قوات البشمركة من الدخول للمدينة، وليتم توزيع الذخيرة والأسلحة، وليمر الأسبوع الأول ولتنتقل المقاومة من حالة الدفاع الى الهجوم، ودفْع مسلحي داعش للتراجع الى المربع الأمني، وسوق الهال، ودعم خطوط المواجهة في المدخل الجنوبي، حتى ساحة الاكسبريس، آخر الهجمات القوية لداعش كان بتاريخ 29 تشرين الثاني 2014 حينها حاول اقتحام بوابة مرشد بينار بتفجير سيارة مفخخة دخلت من الطرف التركي، مخلفة العشرات من الشهداء، وأصيب أحد أهم قيادات الحرب في كوباني/ فيصل أبو ليلى الذي يتزعم كتيبة شمس الشمال، والذي نجح مع مجموعته من صد محاولات تسلل مسلحي التنظيم الذين تحصنوا داخل الصوامع التركية وجرت معركة قصيرة أدت إلى مقتلهم.

تحرير جبل مشتنور في 19 كانون الثاني 2015 كان إيذاناً بتحرير كوباني، الذي تأخر إلى السابع والعشرين من الشهر نفسه، بعد استكمال تمشيط حي مقتلة، وكاني، وبوطان، وطريق حلب، لتنتقل المعارك فوراً إلى تحرير الريف، الذي سجل تقدما سريعا لوحدات حماية الشعب مقابل انهيار التنظيم.

فور الإعلان الرسمي عن تحرير كوباني في السابع والعشرين من كانون الثاني 2015، فتحت البوابة الحدودية لأول مرة أمام أفواج الصحفيين الذين ظلوا يراقبون ويوثقون حرب كوباني عبر الحدود، فدخل العشرات منهم المدينة، ليصبحوا شهود عيان على حجم المعارك، وعنفها، وكمية الدمار.

نزار مصطفى، إعلامي محلي كان يساعد الصحفيين الأجانب قال حالما دخل المدينة «لا أصدق ما أراه، أمن المعقول أن تكون هذه كوباني" أي بطش نكل بمدينتنا هذه؟ ما جرى دمار مقصود، أية حرب قاسية جرت هنا؟ وتابع: «داعش تقصد البقاء هنا، ليكتمل دمار المدينة، حين أدرك أن انتصاره مستحيل»

حينما تتجول في العدد القليل جداً من الشوارع السالكة لا تستطيع أن تعاين إلا دماراً وخراباً هائلاً، وكذلك تقرأ في كل زاوية وعلى كل حجر متهاوٍ قصصاً من حرب قاسية.

كل شوارع كوباني تكاد تنطق بقصة، وفصول مقاومة، وقتال حتى الرمق الأخير... خطوط الاشتباكات من خلال آثارها بارزة للعيان، وواضح أن الحرب انتقلت من شارع إلى شارع، من خلال الكم الهائل من أثار الرصاص، ومن خلال الدمار والخراب الطويل الذي حل بالمكان. ساتر قماشي أسود، وأحمر، وأخضر هنا أيضاً يمكنك أن تميز من كان يقف خلفه، وأين كان يقف.

جثث متفحمة على طول الطريق، ورائحة كريهة تنبعث من تحت ركام البنايات التي اجتهد أهل كوباني خلال العامين الأخيرين في بنائها نتيجة الازدهار العقاري، لتتحول معها المدينة الحديثة إلى بقايا صور.

لم ينتظر أبناء كوباني الكثير قبل أن تبدأ قوافلهم بالتحرك، والعودة منذ 15 فبراير، بعد خمسة أشهر من رحلة المعاناة، والتشرد، والمخيمات، ليحاولوا إعادة الحياة لمدينتهم، وقراهم على أمل أن يتحقق الأمان، وأن تزول هذه الحقبة الصعبة، وهم يضعون نصب أعينهم العيش في خيمة فوق ركام منازلهم.

لم يسلم بيت في كوباني من القصف أو من الدمار، أحياء بكاملها سويت بالأرض وظلت بعض الأعمدة منتصبة تروي قصص حرب قاسية وبطولات أبناء هذه المدينة التي تحولت إلى رمز عالمي للصمود، رغم أن المعارك كان قريبة جدا، فضل الكثيرون العودة، وهو ما جعلهم أيضا يدفعون الثمن نتيجة اختراقات للتنظيم، والتسلل لبعض القرى، إضافة إلى سقوط قتلى بمخلفات الحرب، والقذائف.

انتصارات القوات الكردية لم تتوقف عند حدود كوباني، بل امتدت حتى تحرير كامل الريف الغربي حتى جسر قرقوزاق، في 14 مارس 2015، تبعتها معارك شملت تحرير تل أبيض التي كانت تعتبر عاصمة التنظيم الفعلية كونها تحتوي على المعبر الذي يربطها بتركيا، بالإضافة إلى تحرير مسقط رأس التنظيم سلوك، وعين عيسى وكامل الريف الشمال لسوريا بدءا من رأس العين/سري كاني، حتى نهر الفرات غربا، بالإضافة إلى تحرير قاعدة صرين.

تحرير تل أبيض في 15 حزيران فك حصار كوباني لأول مرة منذ عامين، وربطها بالجزيرة، وأدى بالتالي إلى تدفق المواد الغذائية، والمحروقات رافقه انخفاض في الأسعار، وانتعاش السوق المحلية، وازدياد رغبة الناس بالعودة، حتى صباح 25 حزيران حينما تسللت مجموعة من مسلحي التنظيم إلى المدينة في الساعة الثالثة صباحاً في اختراق أمني فاضح، وارتكبت إحدى أكبر المجازر بحق المدنيين حيث سقط ما يزيد عن الألف ضحية، نصفهم شهداء بأسلحة التنظيم وسكاكينه التي لم ترحم حتى الأطفال والنساء.

تبعات " مجزرة كوباني" كانت كبيرة، وتركت أثراً سلبياً على الناس الذين بدء بعضهم مجددا رحلة نزوح عكسية باتجاه تركيا، فيما تراجع آخرون عن قرار العودة ليختاروا الهروب أبعد باتجاه الدول الأوربية عن طريق قوارب وبلمَات الموت، سالكين أخطر الطرق بين الغابات، والجبال باحثين عن أمل في النجاة من الموت، والدمار، والبحث عن الأمان ومستقبل أطفالهم في ظل غياب آفاق الحل في سوريا واستمرار المعارك في كوباني.

لم يسهم تحرير صرين بعد شهر من المجزرة في طمأنة نفوس الناس الذين فقدوا الثقة، والشعور بالأمان رغم الإجراءات العديدة التي اتخذتها السلطات المحلية بتشكيل لجان حماية ذاتية.

واليوم، وفي ذكرى مرور عام على الحرب، وثمانية أشهر على التحرير، ما يزال غالبية الناس نازحين، مشردين في تركيا والعراق بينما اختار اخرون السفر باتجاه الدول الأوربية، وإن كان يسجل أسبوعيا عودة بعض العوائل.

بات معظم أهالي كوباني مدركين بأنهم أصبحوا ضحية مشتركة لدولة البغدادي والتحالف الدولي، فالأول يريد استثمار خسارته في كوباني وتحويل معركته فيها إلى حرب المواجهة المصيرية مع الغرب، وهو يعتبر استمرار معركة "عين الإسلام" يوم الملحمة بل وعلامة لقرب الساعة، وإنّ حربه فيها مقدسة لا يجب أن تنتهي.

فيما جعل التحالف من كوباني المدينة الرمز لحربه على الإرهاب، حيث روّج أنّ انتصاره فيها سيصبح نقطة الارتكاز للانطلاق إلى تحرير باقي المدن السورية. 

إذاً ربح الجميع في حرب كوباني إلّا أهلها، فهم ماضون في تسديد فاتورة باهظة، ولسان حالهم يقول: يترتب على التحالف أن يجد حلاً لمعاناة نصف مليون مدني نازح نتيجة هذه الحرب وهم يعانون أقسى الظروف وأحلكها في ظل غياب أي دعم أو اهتمام دولي، كما أن التحالف معني بخطة إعادة إعمار المدينة التي حولتها غاراته إلى أنقاض.



الثلاثاء، أبريل 18، 2023

«الإدارة الذاتية» في مواجهة تحديات الحرب والحصار

مصطفى عبدي


 ترزح منطقة "الإدارة الذاتية" تحت ظروف قاسية، نتيجة الحرب التي يشنها تنظيم الدولة الإسلامية من جهة، والحصار الخانق الذي تفرضه التشكيلات الإسلامية "المعارضة" بالتعاقب، معطوفاً عليه الدور التركي السلبي والرافض لأي صعود لحزب PYD الفرع السوري للحزب العمال الكردستاني، وهو الموقف الذي ينسجم مع وجهة نظر الائتلاف المعارض الرافض لكيان " الإدارة الذاتية" وتعتبره مشروع للانفصال عن البلاد، في الوقت الذي يشدد المسئولون الكرد بأنهم يسعون إلى ترسيخ سورية ديمقراطية موحدة ومتنوعة في آن، ويعملون لتعميم نموذجهم لسوريا المستقبل وفق قاعدة الجمهورية الديمقراطية والإدارة الذاتية المجتمعية. 

وبعيداً عن المشهد العام المتداول، ثمة تحديات عميقة تعصف بهذه التجربة الناشئة، إذ ما قفزنا فوق التحديات الأمنية والعسكرية، سنصطدم بجملة من عقبات اقتصادية بالغة الصعوبة، مضافاً إليها انغلاق الأبواب الدبلوماسية أمام القائمين على الإدارة بمنوال نسبي قياساً لدى الائتلاف الوطني. فمناطق إعلان الإدارة الثلاث / عفرين، كوباني، الجزيرة/ تعاني من ويلات تدهور الحياة الاقتصادية، والتي تقول المصادر المحلية بأنها من أهم المسببات الحيوية في الوقوف وراء ارتفاع معدلات النزوح الجماعي والفردي من "المقاطعات الثلاثة" صوب كردستان العراق وتركيا والعديد من البلدان الأوربية. 

لكن لا يستقيم تفسير إلقاء مسؤولية الهجرة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية بمعزل عن تعقب مسار التطورات العسكرية الجارية على الأرض، حيث تشير الأرقام المحلية أن المناطق الكردية تعتبر أسخن مناطق الحرب في سوريا بحوالي 35 نقطة اشتباكات بتسعة محاور يقودها تنظيم الدولة الذي يسعى من خلالها إلى بسط سيطرته على هذه المناطق، حيث يحشد اكبر وأقوى قواته وعتاده كما حدث في كوباني التي تعيش أشرس المعارك إلى الآن. فالتنظيم بات يعتبر حربه ضد الكرد حرب مقدسة لا يجب أن تنتهي. غير أن هذا الإصرار الداعشي لا يقف لوحده أمام مصاعب الإدارة الكردية، إذ أن الجار التركي لديه من أوراق إستراتيجية تزيد من مصاعب الكتل السكانية الكردية- السورية.

تركيّا شريك في الحصار:

تقع المقاطعات الكردية على الشريط الحدودي مع تركيا، مفتقرة إلى معابر رسميّة، والمعبر الأقرب هو «جرابلس» و"«بوابة تل ابيض» " وهما واقعان تحت سيطرة «داعش». رغم ذلك تؤكد الإدارة الكردية بإنه «كان بإمكان الحكومة التركيّة التخفيف من آثار الحصار»، والاستجابة للنداءات المحلية والدولية وآخرها نداء من مجلس البرلمان الأوربي الذي دعاها إلى فتح ممر إنساني يسهل حركة المدنيين، والمواد الغذائية والتجارية إلا أن الرد التركي لا يزال غائباً إلى هذه اللحظة، زد على ذلك تشدد حرس الحدود التركي الرقابة على جميع المسالك غير الرسمية والتي تعتبر نافذة وحيدة أمام الناس، ولا يتوانى الجنود الأتراك في إطلاق النار على من يحاولون اجتياز الحدود، حيث تم توثيق 53 حالة وفاة منذ العام الفائت. و"كأن تهريب الاحتياجات الحياتية أخطر من إدخال الأسلحة والجهاديين" وفق توصيف جوان شيخو وهو تاجر كردي محلي يحاول تأمين البضاعة من الطرف التركي ونقلها إلى مدينة كوباني. ويستطرد جوان بأنه " ثمة عدة نقاط في ريف تل ابيض وجرابلس تكاد تكون منشرحة مع سورية ويتخذها مسلحوا داعش والمدنيين كنقاط عبور بدون مضايقات، حيث يتم غض النظر عنهم في الغالب، لكن الأمور تزاد سوء مع الأكراد تحديداً".

طبيعة الحياة داخل مناطق الإدارة الذاتية:

ومهما تكن الصورة القاتمة في بعض المناطق الكردية إلا أن الحياة داخل عفرين والجزيرة تسير على ما يبدو بطريقة منظّمة، ولا شيء يوحي بتفكيك الشؤون العامة، حيث تحاول الإدارة بمؤسساتها وهيئاتها المتشكلة متابعة شؤون الحياة، وتحاول قدر المستطاع مساعدة الناس في احتياجاتهم اليومية بالحد الادني، فثمة منظمات ومؤسسات تقف على تنظيم الخدمات وتدبير  احتياجات عوائل الشهداء، والنازحين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتحريك عجلة القطاع التعليمي، مع أهمية إيلاء بوجوب تحسين مستوى الأمن عبر عناصر الشرطة " الاسايش" وإحالة معظم القضايا الشائكة إلى المحاكم المحلية المختصة، لتتفرغ بدورها وحدات حماية الشعب صون حدود المقاطعة وإن سجلت ووثقت عدة انتهاكات في مناطق الإدارة الذاتية ولكنها لا تعتبر شيئا مقارنة مع المناطق الأخرى في سورية، فالتجربة الكردية في مفهوم الإدارة ما تزال حزبية، وستنجح إن ثقلت باتفاق كردي-كردي، وأزيلت الغشاوة بتصحيح المسار ورافق ذلك الانتقال من "الخندق الحزبي والإيديولوجي في الإدارة" إلى " الحكم بعقلية المؤسسات والكفاءات" والانفتاح على الأحزاب السياسية وقبول العملية بتشاركية.

 بخلاف كلتا المقاطعتين، فأن حيثيات الحياة في كوباني التي لم تتعافى من تداعيات الحرب بعد تسير في منحى كارثي نظراً للظروف المرافقة للحرب، فعودة المدنيين تجري حالياً عبر بوابة "مرشد بينار " الحدودية مع تركية، بالتزامن مع موجة نزوح معاكس صوب تركيا مجدداً عقب محاولاتهم البائسة لمقارعة بيئة تكاد تخلو في حدودها الأدنى من مقومات الحياة الأساسية، والاهم من ذلك غياب الأمان والاستقرار السياسي، فحرب تنظيم الدولة الإسلامية تسببت في تحول المدينة إلى حطام، كما نالت قرى الريف هي الأخرى نصيبها من الدمار والألغام التي مازالت تحصد يوميا المزيد من المدنيين حتى بعد انتهاء الحرب، فلا تقتصر دائرة مخاطر الألغام والقنابل على البيوت فقط، بل تشمل الأراضي الزراعية، وهذا ما يثير مخاوف لدى الأهالي الذين يعتمدون على الزراعة كمصدر أساسي في تأمين قوت حياتهم. وسبق أن أشار تقرير صدر من الأمم المتحدة إلى أن هناك قرابة 3000 منزل مدمر في المدينة بشكل كلي وأكثر من 5000 جزئياً، إضافة إلى أن عشرات قرى في محيط كوباني سويت بالأرض.

وأفاد التقرير أن عشرات القرى الأخرى مدمرة جزئياً، راصداً نسبة تدمير المدينة بنحو 70 في المئة، مع تدمير المشافي والبنية التحتية وخطوط الري والصرف الصحي والكهرباء في مدينة كانت تصل تعداد قاطنيها قبل الحرب إلى نصف مليون نسمة، ليتراجع في الوقت الحالي إلى قرابة ستين ألفاً.

وأمام هذه التحديات يشكل غلاء المعيشة، والأسعار المرتفعة وندرة المواد واليد العاملة والمواصلات، فضلاً عن التأثيرات النفسية العميقة، وغياب الاستقرار، وحالات التشتت التي أصابت الأهالي الذين رغم كل الظروف القاسية تجدهم أكثر من سعداء حين دخولهم إلى كوباني من بوابة مرشد بينار بشعور مليء بالفخر، والغبطة في مدينة سورية وقفت في وجه الإرهاب، وأردته، وسجلت بأنها أول مدينة رفضت احتضان داعش. فيقول صالح حبش وهو احد العائدين مؤخراً من تركيا إلى المدينة المدمرة للتو:" رغم كل شيء، فإن الوضع في كوباني ليس مأساويا أبدا، بل بخلاف ذلك تماماً، اليوم شعرت براحة لم اشعر بها منذ 6 اشهر" هذه المشاعر هي ذات المشاعر التي ينقلها الكثير من العائدين بعد رحلة هروب من الموت، والقصف، والتشرد إلى ساحات وشوارع مدينة سروج التركية، والمخيمات الموزعة على الشريط الحدودي، وتلك الحشود المتجمهرة لشهور طويلة وسط المنطقة المحرمة المزروعة بحقل الألغام.

منذ تحرير كوباني في يناير 2015 والناس تعود بوتيرة متزايدة لتفقد منازلهم وقراهم فيجدونها خرابا، او تحولت لمزارع ألغام ومتفجرات زرعها التنظيم قبل أن ينسحب، عدا عن بقايا القذائف في الشوارع التي حصدت الكثير من الأرواح خلال الشهرين الأخيرين فقط. قلا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد المدنيين الذي تضرروا بمخلفات الحرب والألغام، لكن حسب المتابعات الميدانية، فإن 45 شخصا قتلوا بالألغام، غالبيتهم من أطفال ونساء، كما أن عدد حالات الإعاقة وصل إلى 80 حالة، شملت بتر أطراف وعاهات في الجسد والوجه. لتغدو رحلة العودة إلى الديار محفوفة بالخطورة والمجازفة إذا لم يسعفهم المجتمع الدولي والمنظمات المختصة، وخاصة أن الناس بدأو يستشعرون اليأس من المجتمع الدولي من جهة خذلانهم حينما حولوا مدينتهم إلى أنقاض، بدون تقديم حلول عاجلة لمشاكلهم بغرض تجاوز الآثار المادية، والنفسية، علاوة على ضرورة تنظيف المدينة من الألغام، وتوفير برنامج "استقبال للنازحين" أو"إيوائهم مؤقتا" بشكل لائق بعد معاناة استمرت ستة أشهر.

وقد لخصت لجنة محلية مشكلة من رحم الإدارة الذاتية في كوباني بضعة من مطالب عاجلة في سبيل إنعاش المدينة مجدداً، فمنها على سبيل المثال، العمل على إنشاء مخيم برعاية دولية لاستقبال العائلات التي تهدمت منازلها وتأمين العائدين مؤقتا، إضافة إلى إعادة بناء مشفى مجهز بالمعدات والأدوية اللازمة، مع إيجاد حلول لمسألة مخلفات المعارك والمفخخات والجثث المنتشرة والمتفسخة في الشوارع وتحت الأنقاض، إلى جانب توفير المواد الداخلة في إنتاج الفرن الآلي الوحيد في كوباني، وتأمين الوقود والغاز، والمساعدة في تنظيم وإعادة بناء البنية التحتية، مع العمل على تأهيل القطاع الزراعي عبر توفير الآلات الزراعية والبذار وإيجاد حل للثروة الحيوانية المنقرضة نتيجة الحرب. 

بكل حال لا يبدي الكرد في سوريا قلقاً بخصوص المستقبل. فهم يؤمنون بقدرتهم على كسب التّحديات إذا ما حُلّت الأزمة السوريّة. يثق معظمهم بقدرتهم على «لعب السياسة». وهم لا يوافقون على اتهامهم بوجود «نزعة انفصالية» لديهم. لكنهم يجدون أن حصولهم على «الإدارة الذّاتيّة» حقّ مشروع، كما يقول شرفان دوريش وهو ناطق إعلامي يرافق كتيبة شمش الشمال «نحن سوريون، ونحبّ هذه البلاد ولن نتخلى عنها. ولكن لنا الحق أيضا في إدارة شؤوننا ذاتيّاً، وحماية مدننا».


عن المرأة الكردية في سوريا

 

مصطفى عبدي



قامت المرأة في سورية بأدوار مهمة في الحراك الثوري منذ انطلاقته في آذار 2012، ورغم دورها المهم إلا أن مختلف أطياف المعارضة لم يقوموا بالاهتمام الكافي في الفترة الانتقالية، باستثناء "مناطق الإدارة الذاتية" حيث تتمتع فيها المرأة فيها بجانب كبير من حقوقها، كما وأنها شاركت الرجل في حمل السلاح، واستطاعت كسر الصورة النمطية التي أريد أن تتوسم به.

المرأة في مناطق الإدارة الذاتية: 

إذا قارنا وضع المرأة الكردية، مع باقي المناطق في سورية نجد أنها قطعت أشواطا مهمة، للحصول على حقوقها، ونسب التمثيل في الادارة، والعمل السياسي والخدمي، فنسبة تمثيل النساء في الائتلاف السوري مثلا لم تصل إلى 20% فيما كانت تبلغ في المجلس الوطني السوري أقل من 7%، وكذلك هيئة التنسيق الوطنية.

عند متابعة المجالس المحلية على مستوى سوريا فإنّنا لن نجد امرأةً واحدةً ممثلةً في «مجلس محافظة حلب» ولن نجد أي تمثيلٍ في باقي مجالس المدن الاخرى، ومجالس النواحي، ويقول عبد الرحمن ددم/ الرئيس السابق لمجلس محافظة حلب الحرة: «إنّ غياب تمثيل المرأة جاء لاعتمادهم مبدأ الكتل الانتخابية، وكان من المفترض أن تقوم كل كتلة بترشيح عددٍ من النساء، وحدث انه كانت هنالك مرشحات لكن بفئة «مستقل» لم تنجح منهن أي واحدة في الانتخابات»

واقع المناطق الكردية مختلفة تماما، فالمرأة لها تمثيل يصل إلى 50% بحسب قوانين الإدارة الذاتية، والمجلس التشريعي، حيث تكون الرئاسة مشتركة، وكذلك فان إدارة مختلف المؤسسات أيضا مشتركة بين الرجل والمرأة، كما وتدارك المجلس الوطني الكردي ذلك بأن اقر مؤخرا منصب نائب رئيس المجلس للمرأة.

قانون المساواة بين المرأة والرجل:

شكل إصدار قانون المساواة بين الرجل والمرأة، وقانون منع تعدد الزوجات في مناطق الإدارة الذاتية حدثا مهما في سورية، كونه جاء في وقت تتالى فيه تقارير تشير الى انتهاكات كبيرة تجريها مختلف فصائل المعارضة، والنظام ضد النساء في مناطق سيطرتهم، القانون جاء منصفا للمرأة، ومكملا لما صدر سابقا حول حقوق النساء في روج آفا، من خلال تشريعات خاصة سنتها جمعيات نسائية خاصة.

فعقد الزواج المدني، الذي بات اليوم يطلق عليه عقد الحياة المشتركة والذي تمّ اعتماده في الجزيرة، وعفرين، وكوباني، يتضمن منع تعدد الزوجات، ومنع زواج الأنثى قبل سن ال18 عاماً، وان يتحمّل تكاليف الزواج الطرفان، كما تمّ أيضاً إقرار توزيع الميراث بالتساوي بين الطرفين.

القانون الذي ناقش إقراره " المجلس التشريعي" يحقق العدالة والمساواة للمرأة ويرفع عنها الاضطهاد والتمييز ويمنحها المرأة حقوقها الأساسية، كما تقول فوزية عبدي/ رئيسة المجلس التشريعي في كوباني اضافت "الغاية من القانون هي إنصاف المرأة التي أثبتت وتثبت أنها مساوية للرجل، فالمرأة الكردية نجدها مربية، معلمة، تشارك في حمل السلاح، وبالتالي فمن حقها أن يتم حمايتها بتشريعات خاصة تمنحها حقوقها، اسوة بالرجل، تستهدف ايضاً القضاء على العديد من العادات البالية التي تنتشر في المنطقة"؟

يتضمن القانون أفكار تركز على محاربة الذهنية السلطوية الرجعية في المجتمع، كما أعطى القانون للمرأة الحق بـ "الترشح والترشيح وتولي كافة المناصب"، والحق بـ "تشكيل التنظيمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية". كما أقرّ القانون "المساواة بين شهادة المرأة وشهادة الرجل من حيث القيمة القانونية، والمساواة بين الرجل والمرأة في كافة المسائل الإرثية".

ومنح القانون "تزويج الفتاة بدون رضائها، وتعدد الزوجات، وتزويج الفتاة قبل إتمامها الثامنة عشرة من عمرها، والطلاق بالإرادة المنفردة".

وألغى المهر باعتباره "قيمة مادية هدفه استملاك المرأة، ويحل محله مشاركة الطرفين في تأمين الحياة التشاركية". وفرض "عقوبة مشددة ومتساوية (على كلا الزوجين) على مرتكب الخيانة الزوجية من الطرفين، وتجريم الاتجار بالأطفال والنساء بكافة أنواعه وفرض عقوبة مشددة على مرتكبيها". كما منح "المرأة والرجل حقوقا متساوية فيما يخص قانون الجنسية". وأنه "للمرأة الحق في حضانة أطفالها حتى إتمامهم سن الخامسة عشرة سواء تزوجت أم لم تتزوج ويكون بعدها حق الاختيار للأولاد، ومن واجب الطرفين تأمين السكن والنفقة للأطفال طيلة فترة الحضانة، وفي حال سفر الأولاد تحت سن الخامسة عشرة يوجب أخذ الإذن من الوالدين".

هيومن رايتس وتش تنتقد:

رغم ما يتردد إيجابا عن استصدار قوانين، وتشريعات لصالح المرأة، نجد في المقابلات تسجيل حالات انتهاكات بحقهن من قبل "الادارة الذاتية" نفسها، وخاصة فيما يتعلق بتجنيد القاصرات، منظمة هيومن رايتس وتش أصدرت عدة تقارير حول ذلك، ففي اخر تقرير اصدرته في 15 يوليو 2015 تحدثت المنظمة أن "الجماعة الكردية المسلحة التي تسيطر على مناطق شمال سوريا، لم تف بالتزامها بتسريح الأطفال المجندين، ولم تتوقف عن استخدام الأطفال والفتيات دون سن 18 سنة في القتال، رغم أنها حققت بعض التقدم" المنظمة وثقت التحاق أطفال دون سن 18 سنة بالقتال في صفوف وحدات حماية المرأة، ورغم ذلك فالمنظمة ابدت ثقتها في أن يتم تسريح هذه الحالات.

قواعد المقاتلين المتشددين:

من المؤكد أن الوضع في مناطق الإدارة الذاتية، مختلف، فالمرأة في باقي المناطق تخسر، لأنّ المعارضة السياسية غير قادرة على فرض وجودها، باعتبارها لم تحقق أي نصر، كما وأنها لا تمتلك أي قوانين تحمي المرأة، وتمنحها حقوقها، بدءا من نسبة التمثيل والمشاركة في اتخاذ القرار، حتى مسألة العمل على سن تشريعات تحميها في مناطق المعارضة، وبالتالي ترك الأمر للفصائل " الإسلامية" التي انتهتكت حقوق النساء، بشكل فاق حتى انتهاكات النظام، وبالتالي فرض على المرأة السورية أن تنتقل من حكم من يعتقلها، لحكم من يعتبرها "حرمة"، ومحرومة حتى من كشف وجهها. 


منطقة حظر لحماية المدنيين، أم مستعمرة تركية شمال سورية

 

مصطفى عبدي/ كوباني



جاء التفجير الارهابي الذي ضرب مدينة سروج الحدودية مع سورية قرب كوباني بمثابة اعلان رسمي من داعش في حربها ضد تركيا أولا والكرد الذي تم استهدافهم بالتفجير ثانيا، فالضحايا كانوا مجموعة من المتطوعين القادمين من عدد من المدن التركية متوجهين الى كوباني وهم يحملون هدايا لأطفالها، وفي مبادرة للدعوة لإعادة اعمار مدينة دمرتها الحرب وحولتها الى أنقاض.

تركية ظلت لعامين محمية من هجمات داعش، وهي التي كانت تشاركها حدودا بطول يتجاوز الـ 250 كم، ومعبرين حدوديين، مع اتهامات كثيرة بعلاقاتها مع التنظيم او كونها ممر آمن لتجنيد الأجانب وخاصة من بوابة تل أبيض.

من المؤكد ان تركية لن تتخلى عن امتلاك مفتاح داعش، خاصة وأنها تلعب دورا كبيرا وواسعا في الثورة السورية منذ انطلاقتها كثورة سلمية حتى تحولها الى "مسلحة" ومن ثم دخول كتائب راديكالية على الخط من أمثال جبهة النصرة وبروز داعش واعلانها الخلافة وتوغلها في الاجرام.

 فتركيا منذ البداية أعلنت طلاق نظام الأسد والوقوف الى جانب الشعب السوري، وحولت أراضيها الى مركز سياسي للمعارضة السورية ومؤتمراتها حتى اعلان تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ومن ثم اعلان الحكومة السورية المؤقتة، الى جانب استقبالها لمختلف الفصائل العسكرية/ الجيش السوري الحر، وبالتالي فإنها نجحت تماما في ضبط غالب المفاتيح العسكرية، والسياسية في سوريا، الى جانب أن لها علاقات غير مباشرة مع النظام السوري عن طريق روسيا وإيران.

هل داعش أعلن الحرب؟

بحسب العديد من التقارير الاستخباراتية، والإعلامية فإن علاقة الصداقة، وحسن الجوار هي اللغة التي كانت سائدة بين دولتي البغدادي، و أردوغان وان اعلان الحرب الأخيرة جاء من قبل الأول بالتفجير الانتحاري في سروج، واطلاق النار على الجيش التركي قرب كلس/ الراعي، ولتتوارد الاخبار عن ارسال داعش لتعزيزات من الرقة الى جرابلس ومنبج وتهديدات مبطنة بمواصلة الهجمات على الجيش التركي، ليأتي الرد التركي بعد حرج بقصف مواقع التنظيم داخل سورية بالمدرعات، وبغارة جوية واحدة فقط قرب المنطقة الحدودية مع التأكيد الرسمي بأن مقاتلاته لم تدخل الأراضي السورية.

هل داعش من أصدرت قرار الحرب إذا؟ أم هم مجموعات استخباراتية، هدفها جر تركية، والضغط عليها للقبول بشرط التحالف والسماح باستخدام اراضيها وقاعدة انجرليك أم هي الاستخبارات التركية نفسها التي كانت تبحث عن حجة، لتعلق عليها أسباب التدخل في سوريا سواء بإعلان منطقة حجر الطيران كما تطمح او كمبرر في الحرب على داعش بحسب ما كتبه المحلل العسكري "تسفي بارئيل".

لكن من المؤكد علم الاستخبارات التركية المسبق بالتفجير الإرهابي في سروج، ولو كانت النية إحباط التفجير لنجحوا في ذلك، ولكن كان التخطيط هو استغلال العمل الإرهابي لتركيز أكبر قدر من جنود الجيش في قلب المدينة "سروج" القريبة جدا من المدينة "كوباني".

السلطات التركية علمت بتجمع ينظمه متطوعين غالبهم أتراك هذه المرة لدخول "كوباني" ومساعدة أهلها هناك والعمل على إعادة اعمارها. وهذا ما تخشاه أنقرة كثيرا وهو أن تتعمق العلاقة بين مدينة "كوباني" التي يحكمها العدو بمفهوم الحكومة التركية، وبين " الشعب التركي" وليس الكرد فحسب.


رغم أن حاكم سروج نفى مطلقا أن تكون لديهم أية معلومات استخباراتية مسبقة، ولكني كنت في سروج وقتها ولاحظت منذ صباح يوم التفجير حركة غير اعتيادية للأمن، وكانت هنالك حواجز كبيرة في مدخل المدينة وكان يتم تفتيش كل السيارات، وأيضا أغلقت البوابة الحدودية كليا وقتها مع كوباني فيما من المفترض ان تكون مفتوحة للعائدين اليها، كما وأن كانت تسري بين الناس اشاعات عن دخول انتحاريين من داعش للمدينة قبل ذلك.

من جهة أخرى فان قياديي داعش يعلمون تماما بأنهم يمتلكون ارضية خصبة في تركية، وهم الذين نشطوا فيها، بخلايا ومجموعات منتشرة، وبخاصة وان تركية كانت حاضنة رئيسية لنشاطاتهم التنظيمية السرية وتنقلاتهم وكانت أراضيها منفذا بشريا مهما، كخطوط مواصلات، وداعش تدرك اليوم بأن صلتها الجغرافية مع تركية باتت في خطر وانحصرت في جرابلس حتى منطقة الراعي بعمق 50 كم وهي منطقة استنزاف للتنظيم مع تزايد الضغوط التي تمارسها انقرة على حركة مسلحيه/ الاجانب/ الراغبين في الوصول الى ولاياتهم الرقة، فبعد خسارة مساحات حدودية كبيرة في ريف الحسكة‬، وريف ‏الرقة‬ وتل ابيض /200 كم/ ادرك داعش بأنها يجب أن تتخلى عن تركية كدولة ومنفذ حدودي وان تحولها الى بيئة عمل ونشاط لخلاياها، في ظل الوضع الداخلي المتدهور والخلافات السياسية، والتجاذبات التي افرزتها الانتخابات الاخيرة.‬‬‬‬

عشرات الغارات على PkK، وقصف لمواقع الـ YPG:

منذ الإعلان عن الاتفاق الأمريكي – التركي وشروط استخدام قاعدة انجرليك، والمنطقة العازلة، مقابل دخول تركية الى التحالف الدولي ضد داعش، ونحن نتابع أن الغارات التركية تتجه نحو قنديل بكثافة ودقة، ترافق ذلك مع حملة واسعة للاعتقالات شملت غالب المدن الكردية، الى جانب تصاعد وتيرة الخطابات والحرب الإعلامية من قبل المسؤولين الاتراك وهم يؤكدون الدعم الأمريكي، ودعم الناتو، ومشروعية حربهم التي وصفوها بالشاملة والمستمرة ضد PKK كمنظمة إرهابية الى جانب داعش.

عشرات الغارات على قنديل حيث قواعد حزب العمال الكردستاني، الى جانب قصف مواقع الـ YPG في ريفي كوباني، وتل أبيض وسقوط جرحى، واستهداف لأي تحركات مريبة على حدودها مع الكرد من رأس العين/ سري كاني الى الفرات غربا، فيما هدوء لكامل جبهتها مع داعش بدءا من الفرات الى مشارف اعزاز مع غارة واحدة فقط على قرية عياشة الحدودية التي اشارت التقارير بانها بالأصل قرية خالية من داعش، بالمقابل نجد أن داعش، والأتراك يتقاسمون السيطرة على بوابة جرابلس، قرقميش ونلاحظ تحركات لمسلحي داعش طول الحدود المشتركة، وأيضا شاهدنا على القنوات التركية جرافات التنظيم القريبة جدا من الحدود التركية وهي تقوم منذ شهر تقريبا بحفر الخنادق حول جرابلس.

لماذا المنطقة العازلة الآن، ولماذا في هذه المساحة؟

يتضح جليا بعد مرور أسبوعين من الإعلان عن الاتفاق التركي الأمريكي من مقترح وجغرافية المنطقة العازلة بأنها تمتد من اعزاز، حتى جرابلس وهي لا تشمل منبج وغيرها من المدن الكبيرة التي يسيطر التنظيم عليها، وبالتالي فإن توقيت اعلان الاتفاق، والمساحة المحددة لا تدل الا على شيء واحد وهو ان الاتراك تدخلو في هذا التوقيت الدقيق بالضبط خشية ان تنتقل معارك التحرير التي يشنها YPG الى ضفة الفرات الغربية في جرابلس حتى اعزاز وبالتالي ربط المناطق الكردية ببعضها والخوف من احتمال اعلان منطقة كردية في الشريط الشمالي، وهو هاجس تركي فحسب، الهدف المعلن للحكومة التركية والذي جاء بأن اعلان هذه المنطقة سيكون لحماية المدنيين، وتأمين إعادة مليون ونصف لاجئ هو غير عملي على الأرض وله هدف آخر فقبل كل شيء موضوع إعادة اللاجئين مستحيلة في هذه المساحة، وثانيا سيظل خطر التنظيم قريبا في منبج، وأيضا خطر طائرات بشار الأسد إن لم يتم التنسيق معه، وهنا ايضا نتساءل لماذا لا تشمل منطقة الحظر جرابلس او الباب وغيرها من المدن الكبرى التي يسيطر التنظيم عليها.

وبالتالي فإن الهدف التركي الان هو التدخل في المنطقة من جرابلس حتى اعزاز ليس لحمايتها، او حماية المدنيين او لإعادة توطين اللاجئين كما تدعي، وانما هو خشية تركيا من انشاء حزام كردي يمتد على اطول حدودها البرية، ما من شانه ان يعيق قدرتها على الوصول الى معظم سوريا، ويمهد لاعلانها لاحقا كاقليم كردي مستقل.

اعلان منطقة الحظر سيزيد تعقيد الوضع السوري، فاردوغان مثلا تخلى عن " خطاب اسقاط الاسد" وبات همه الان كيف يوقف الأكراد ويمنع تقدمهم لتحرير جرابلس‬ بعد ‏صرين‬.

الاتراك اتخذوا من اعلان حربهم ضد داعش شماعة لمحاربة الكرد فحسب وحربهم ضد داعش حرب وهمية، وهدف تركيا هو الكرد وليس داعش، لسببين الأول هو الهاجس والتخوف التركي من احتمال انتقال معارك الكرد لغربي الفرات بدعم غربي لتحرير المنطقة من جرابلس حتى اعزاز من داعش وبالتالي استكمال خارطة ربط كوباني بالجزيرة شرقا، وعفرين غربا في استنهاض حلم الدولة الكردية/ روج افا، إضافة الى الانتخابات كسبب ثاني والهدف هو ان التصعيد الأخير سيساهم في جر البلاد الى المزيد من الاضطراب والقلاقل أمام الاختبار المهم وهو/ الأمن/ وبالتالي سيتحقق هدف أردوغان في المضي الى الانتخابات المبكرة، ومن المؤكد ان غالب الاتراك سيفضلون الأمن على أي شيء آخر وبالتالي سينجح العدالة والتنمية في نسبة أكبر تؤهله مجددا للتفرد بالحكم.

إن كانت الدولة التركية جدية فعلا في الدخول الى التحالف الدولي ضد الإرهاب/ داعش فيجب عليها التوقف عن قصف الاكراد في قنديل، وكوباني، وتل ابيض، والتوقف أيضا عن مساعي احتلال القرى التركمانية شمال سورية تحت ذريعة المنطقة العازلة وأن تبدأ بسلسلة اجراءات قوية، او لها استخباراتية فالتنظيم متغلغل بالأصل في مفاصل الحياة والمجتمع التركي الذي سيتدعشن برمته أمام الاكتفاء بمراقبته أو حتى محاربته بدون آفاق منهجية، وستصبح تركيا منبعا وبيئة أكثر من ملائمة لعمل ونشاط التنظيم.

دخول تركيا على خط الحرب ضد داعش إن لم يكن متكاملا ضمن استراتيجية واضحة، مخطط لها ستكون نتيجته كارثية، وسيمنح داعش فرصة أكبر للاستمرار.

 وسيستفيد منه التنظيم، هذا التنظيم ذكي جدا فهو الذي اختار موعد المعركة، وهو الذي جر تركيا، داعش يفكر في شيء ما، لذا فإن من المهم الانتباه بأن الحرب ضد داعش تحتاج لاستراتيجية متكاملة، ودخول تركية على الخط يجب ان يكون ضمن تلك الاستراتيجية التي تبدأ بالسماح قبل كل شيء باستخدام اراضيها لقيادة عمليات القصف الجوي والتدخل البري حتى وكشف ملفات الاستخبارات التركية المتكدسة طيلة العامين الاخيرين، وبناء غرفة عمليات جديدة تشترك فيها الاطراف التي تحارب التنظيم، وتوسيعها بخطط شاملة لمعالجة مختلف القضايا العالقة وخاصة في تبعات تحرير المناطق والوضع الداخلي في سوريا والعراق.


في سوريا.. فرح الكرد بسقوط الدكتاتور يتحول إلى خوف من الغارات وهجمات تركيا وميليشياتها

  كانت جيهان، الأم لثلاثة بنات، جالسة أمام خيمتها حينما لاحظت فوضى عارمة تجتاح المخيم مع سقوط قذيفة قربها. هرعت للاطمئنان على بناتها بينما ك...