الأحد، يناير 21، 2024

تأثير حملات المقاطعة على المنتجات التركية والإيرانية في العراق

يشهد العراق وإقليم كردستان حاليًا حملات واسعة من المقاطعة للمنتجات التركية والإيرانية، التي تمثل إحدى أكبر مصادر المواد الغذائية، المستلزمات المنزلية، ومستحضرات التجميل المدخلة إلى هذا البلد المضطرب. يصل قيمة هذه المنتجات السنوية لأكثر من 15 مليار دولار، وتعكس هذه الحملات استياءً واستنكارًا شديدين تجاه السياسات الدموية والتصعيد العسكري الذين تشنهما تركيا وإيران على الأراضي العراقية ودول أخرى.

في ظل الحروب والصراعات الطويلة التي عاشها العراق، يتسائل الكثيرون عن جدوى استمرار استهداف تركيا للبلدين الجارين له بشكل مستمر. حيث تكرر الهجمات التي تستهدف المدن العراقية، مما يؤدي إلى سقوط المزيد من الضحايا المدنيين. بالإضافة إلى ذلك، تتحكم كل من تركيا وإيران على مصادر المياه عبر الأنهار التي تنبع من أراضيهما، مما يتسبب في نقص حاد وجفاف يؤثر على القطاع الزراعي ويتسبب في خسائر فادحة تقدر بالملايين للمزارعين واقتصاد البلد المنهك أصلا.

حملات المقاطعة الشعبية تتسارع، حيث يُظهر الشعب العراقي والكرد على حد سواء رفضًا قويًا للاعتداءات التركية و الإيرانية المتكررة. يتطلع منظمو هذه الحملات إلى تحقيق تأثير إيجابي يعكس الرفض الشديد للسياسات العدوانية ويضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات فعّالة. يُشير الناشطون إلى أن التركيز يجب أن يكون على إيجاد أسواق بديلة لتلبية احتياجات السوق المحلية، ودعم المنتجين المحليين لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

في ظل هذه التحديات، يتساءل الكثيرون عن إمكانية نجاح هذه الحملات في تحقيق الأهداف المرجوة. قد تكون هذه الحملات فعالة في إحداث تأثير اقتصادي سلبي على تركيا وإيران، خاصة مع اعتماد هاتين الدولتين على السوق العراقية بشكل كبير.

يظل الهدف الرئيسي هو التأثير الإيجابي على السياسات الخارجية لتركيا وإيران، وفرض ضغط كي تتراجع عن التصعيد والالتزام بحلول دبلوماسية. يتوقع العديد من المشاركين في هذه الحملات أن تلعب الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان دورًا هامًا في دعم المنتج المحلي وتعزيز الاكتفاء الذاتي للتقليل من التبعية على تلك الدولتين. 

في النهاية، يظل السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت حملات المقاطعة ستكون كافية لإحداث التغيير المطلوب في السياسات الإقليمية، وهل ستتجاوب الحكومة في بغداد وأربيل للمبادرة الشعبية أم أنها ستظل تحدًيا يواجهه المواطنون في محنتهم المستمرة.

الأحد، يناير 14، 2024

"تأثير التصعيد العسكري لحزب العمال الكردستاني: تحليل للضربات الدقيقة وتأثيرها المحتمل على الأوضاع الداخلية في تركيا"

أعاد التصعيد العسكري الذي قام به حزب العمال الكردستاني الى الواجهة، والذي أسفر عن مقتل 21 جنديًا تركيًا في هجمات دقيقة استهدفت قواعدهم العسكرية في شمال العراق، إشكالية الصراع الكردي - التركي وأزمة السلام المتعثرة. وقد أثار هذا الوضع تساؤلات حول تأثيره على الأوضاع المستمرة التي ترفض الحكومة التركية الوقوف عندها بحثًا عن حل دبلوماسي.

رغم أن هذه الضربات لم تكن مفاجئة، نظرًا لاستمرار تصاعد الأوضاع وتجاهل تركيا لنداءات السلام والحوار، واستمرارها في حملات الاعتقال والخطف ضد السياسيين الكرد والنشطاء، بالإضافة إلى تفضيلها الحلول العسكرية من خلال شن أعمال عدائية ضد المدن والبلدات الكردية في سوريا والعراق، واستمرارها في شن المزيد من الهجمات والحملات العسكرية التي يُعتبر بعضها جرائم حرب.

هذه الضربات تثير تساؤلات حول تأثيرها على الأوضاع الداخلية في تركيا ونفوذ حزب العمال الكردستاني المتزايد. على الرغم من تصريحات المسؤولين التركيين بتراجع أعداد أعضاء الحزب، تظهر البيانات الرسمية والتصريحات الأخرى أن الأمور قد تكون أكثر تعقيدًا مما يتم الترويج له. ورغم تأكيدات أنقرة بتراجع أعداد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، تشير الهجمات الدقيقة الأخيرة إلى استمرار تحديهم للقوات التركية، وأن المقاتلين الكرد قادرون على التوغل في عمق القواعد العسكرية التركية المحصنة واستهداف المؤسسات الأمنية ذات التحصين الشديد، بما في ذلك وزارة الداخلية.

تُعد هذه الهجمات حدثًا مهمًا في تاريخ الصراع في تركيا، وتفتح أفقًا لمسارات جديدة وتحولات مفصلية. بالرغم من التصريحات التي تدل على القضاء على الحزب، يُشير الوضع الحالي إلى ضرورة إعادة النظر في تلك التصريحات وفتح الباب لتدخل دولي يسعى لبدء عملية سياسية قائمة على خريطة طريق للسلام.

لم يظهر الوعي لدى الحاكمين في تركيا بتفضيل السلام على القتال، وعلى ضوء ذلك، يُتوقع أن يتبعوا سياسة أكثر تشددًا وعنفًا، حيث يستهدفون المدنيين والبنية التحتية، خاصة في العراق وسوريا، اللذين أثقلتهما سنوات الحروب والنزاعات. من المحتمل أن تستمر تركيا في سياسة الرد بالاستهداف الجماعي للمدنيين والمدن الكردية في هاتين الدولتين. ستستمر أيضًا في تنفيذ هجمات إضافية تستهدف بنية التحتية ووسائل العيش، بما في ذلك المدارس والمخيمات والمصانع ومحطات الطاقة والكهرباء والمياه ومستودعات الحبوب والأفران، وذلك بشكل خاص في سوريا، حيث يستغل الرئيس أردوغان غياب رد فعل فعّال من المجتمع الدولي لتنفيذ المزيد من الجرائم ضد السكان.

ومع ذلك، يظهر أن حزب العمال الكردستاني لم يعد يظهر اهتمامًا كبيرًا بالرد على الهجمات التركية بنفس القوة، وذلك في ظل عدم وجود حلاً سياسيًا ورفض لجميع مبادرات السلام التي يطلقها قادته الميدانيين، بالإضافة إلى عدم قبوله لمبادرات السياسيين المعتقلين، بما في ذلك زعيم الجناح السياسي للحزب عبد الله أوجلان ورئيس حزب الشعوب الديمقراطي السابق صلاح الدين دمرتاش وغيرهم. وستظل تركيا تشدد في ظروف اعتقال هؤلاء وتفرض العزلة عليهم وتمنع الزيارات.

تظهر الفرص للتصعيد واردة وتعتمد على قرارات تركيا، حيث تعاني من أزمات متعددة وتظل قادتها مصرين على تجاهل القضية الكردية ورفض المشاركة في أي مفاوضات سلام أو الاعتراف بأي وساطة لإنهاء الصراع الكردي-التركي.

تم فقدان حجة تركيا بشأن تصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، بسبب المساهمة الفعّالة لقادته وأعضائه في الحرب العالمية ضد تنظيم داعش. وبناءً على ذلك، قامت عدة دول بإعادة النظر في سياستها وقامت بتصنيف العمال الكردستاني ضمن قوائم الإرهاب تحت ضغوط من تركيا وتأثير اللوبي التركي في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. واليوم، تطالب هذه الدول، التي تدرك الآن خطأ سياستها السابقة، بتبني دور أكثر فعالية للضغط نحو إيجاد حل للقضية الكردية وتعزيز عملية السلام.

يُعتبر حزب العمال الكردستاني معتدلاً، ولم يشترك في استهداف المدنيين في تركيا أو خارجها. ولعب دورًا فعّالًا في دعم التحالف الدولي للقضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق، خاصةً في معركة تحرير مدينة كوباني.

تصاعد النشاط العسكري لحزب العمال الكردستاني واستهدافه للقواعد العسكرية التركية في العراق يشكل جزءًا من الصراع المستمر، حيث تفتقر هذه القواعد إلى أساس قانوني يبرر تواجدها في هذا البلد المنكوب الذي يشهد تدخلًا تركيًا بطموحات الاحتلال.

حقق العمال الكردستاني تقدمًا كبيرًا في المجال السياسي من خلال التزامه المستمر بتقديم مبادرات لتحقيق السلام ووقف القتال، وتفضيله للحوار ونزع السلاح كوسيلة لحل قضية الكرد. تعززت مكاسبه السياسية بفعاليته المتزايدة في مجال مكافحة تنظيم داعش، على الرغم من الشكوك المثارة حول دور تركيا في دعم هذا التنظيم. يظهر اليوم أن حزب العمال الكردستاني أصبح أقوى وأكثر قدرة على استعادة تأثيره البارز في المشهد السياسي التركي.

مبادرات السلام الكردية التركية 1991–2004

كانت هناك مبادرات سلام كردية - تركية عديدة منذ بدء الصراع مع حزب العمال الكردستاني عام 1978 بعضها ناجح والبعض الآخر لا. لكن النهج الحقيقي الأول للمسألة الكردية في تركيا جاء بعد أن قررت حكومة تورغوت أوزال إنهاء سياسة إنكار الكرد والسماح بتحدث اللغة الكردية في عام 1991 ولاحقًا ببثها في نفس العام أيضًا.

أول وقف أحادي الجانب لإطلاق النار من قبل حزب العمال الكردستاني 1993

وقف إطلاق النار من قبل حزب العمال الكردستاني 1993

في 17 مارس 1993، أعلن زعيم حزب العمال الكردستاني -المعتقل حاليا في تركيا- عبد الله أوجلان وقف إطلاق النار من جانب واحد في مؤتمر صحفي عقد مع جلال طالباني. وفي مؤتمر صحفي آخر عقد في 16 أبريل 1993 في بر إلياس في لبنان، تم تمديد وقف إطلاق النار إلى أجل غير مسمى. شهد هذا الحدث حضور السياسيون الكرد جلال طالباني وأحمد تورك من مؤسسة التعليم العالي وكمال بوركاي الذين أعلنوا دعمهم لوقف إطلاق النار. وصل وقف إطلاق النار إلى نهايته بعد وفاة رئيس الوزراء تورغوت أوزال - تبين لاحقا أنه قُتل مسموما بعملية مدبرة من قبل الجيش التركي واجهزة الاستخبارات لرفض مساعيه السلمية لحل القضية الكردية- الذي كان يتبع حكومة أكثر سلمية تجاه الكرد مثل الحكومات السابقة، بعد يومين في 17 أبريل 1993 وأيضًا بعد أن شنت القوات التركية هجومًا في 19 مايو 1993 قتل فيه 13 من أعضاء حزب العمال الكردستاني.

وقف إطلاق النار أحادي الجانب الثاني من قبل حزب العمال الكردستاني 1995–1996

في ديسمبر 1995، أعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق نار ثان من جانب واحد، قبل الانتخابات العامة في 24 ديسمبر 1995، ويعتقد أنه منح الحكومة التركية الجديدة وقتًا للتعبير عن نهج أكثر سلمية للصراع بين حزب العمال الكردستاني وتركيا. أطلق المجتمع المدني والسياسي عدة مبادرات سلام في الأشهر الثمانية التي أيد فيها حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار.

وقف إطلاق النار من جانب واحد من جانب حزب العمال الكردستاني 1998–2004

في 1 سبتمبر 1998، أعلن حزب العمال الكردستاني وقفًا آخر لإطلاق النار من جانب واحد، والذي تم الإعلان عنه بغرض إيجاد حل سياسي للصراع. بعد إعلان وقف إطلاق النار، هددت تركيا سوريا بمواجهة عسكرية إذا واصلت دعمها لحزب العمال الكردستاني. وبعد ذلك غادر أوجلان سوريا إلى أوروبا في 9 أكتوبر 1998. في أوروبا، حاول أوجلان التواصل مع العديد من الدول بحثًا عن مساعدتها في مفاوضات السلام المحتملة، لكن كل المحاولات باءت بالفشل وتم إلقاء القبض عليه من قبل القوات الخاصة التركية في 15 فبراير 1999 بنيروبي في كينيا بمؤامرة مدبرة ونقله إلى تركيا، حيث جدد اقتراحه لمفاوضات السلام. في عام 1999 أعلن حزب العمال الكردستاني أنه سيغادر قواعده في تركيا، وسيتبع محاولة أوجلان لإنهاء الصراع المسلح. في عام 2004، انتهى وقف إطلاق النار الذي بدأ في عام 1998 وبدأ القتال مرة أخرى.

مبادرات السلام من قبل المجتمع المدني والسياسي

نظمت جمعية مواطني هلسنكي مؤتمرا في يناير 1995 في إسطنبول، حيث نوقش الصراع التركي الكردي على نطاق واسع. شجعت نتائج المؤتمر الجمعية على تنظيم حملة على مستوى الولاية من أجل السلام في العديد من المدن من أجل تسهيل حل النزاع. وفي فبراير 1996، تم تنظيم مؤتمر بعنوان «المشكلة الكردية والحل الديمقراطي» من قبل المعهد الكردي في اسطنبول. ناشد مؤتمر ثان بعنوان «التجمع من أجل السلام» الحكومة التركية للعمل بشكل تعاوني لوقف إطلاق النار الذي أعلنه حزب العمال الكردستاني في ديسمبر 1995. دعت منظمة حقوق الإنسان التركية إلى المشاركة في حملة تسمى قطار موسى عنتر للسلام، وهو قطار بدأ في 26 أغسطس في بروكسل وبعد توقف في عدة مدن في جميع أنحاء البلاد دخل ديار بكر في 1 سبتمبر حيث رحب به 20 ألف شخص. تم إطلاق مبادرة أخرى في أكتوبر 1996 من قبل حزب حزب الحرية والتضامن اليساري. هناك حملة تسمى مليون توقيع من أجل السلام (بالتركية: Baris için 1 milyon imza)‏ تم البدء فيها وتسليم توقيعاتها في النهاية إلى البرلمان التركي في مايو 1997.

العمال الكردستاني يواصل مسار السلام رغم تصاعد التوترات والتحديات

في سياق متواصل من التصعيد والتوترات، يظل العمال الكردستاني ملتزمًا بوقف إطلاق النار من جانب واحد،بينما يستمر قادته في تقديم مبادرات سلام تواجه رفضًا حادًا من قبل الحكومة التركية. تتابع الحكومة التركية استخدام القوة وزيادة عمليات الاعتقال والهجمات العسكرية بدلًا من التفاوض والسعي نحو حل سلمي. في هذا السياق، يستمر المسؤولون الكرد وحلفاؤهم التركيون في جهودهم المستمرة لتحقيق السلام، في حين تظل الحكومة التركية تتخذ القتال والقصف والاعتقالات وتصفية الأحزاب كوسيلة لإنهاء القضية الكردية.

رغم جهود العمال الكردستاني وتقديمهم لمساعي السلام، ينتشر الشعور بالتشاؤم، خاصةً بعد تصريحات صلاح الدين دميرتاش، الذي يقضي فترة اعتقال في السجون التركية. يشير دميرتاش إلى انحسار الآمال في عملية السلام بنسبة 90٪ منذ انطلاقها، وينذر بسلسلة مستمرة من العنف التي قد لا تنتهي.

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004 1 و 2