استطاع حزب الاتحاد الديمقراطي الصعود إلى واجهة الأحداث التي تتصدر المشهد السوري كأحد أبرز الأطراف إثارة للجدل والذي فرض نفسه بقوة في تطورات الأحداث الجارية مع غياب أية بوادر حل جدية توقف الحرب في سوريا التي يواصل فيها النظام قصف وقتل شعبه إلى جانب تشتت المعارضة التي مارست هي الأخرى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وارتباطاتها مع أطراف دولية تساهم في تعقيد الوضع المتأزم أصلاً خدمة لمخططاتها دون أن نغفل دور جبهة النصرة التي يرفض الائتلاف الانفكاك عنها، وتنظيم الدولة الإسلامية.
الاتحاد الديمقراطي حزب حديث النشأة مقارنة مع الأحزاب الكردية الأخرى، أعلن عن تشكيله عام 2003 وارتفعت شعبيته ليصبح أحد أبرز الأحزاب الكردية، ولا سيما وأن ذراعه العسكري المتمثل بوحدات حماية الشعب والذي تؤكد تصريحات قادته أن أعدادهم تتجاوز ال 50 ألف أثبتوا جدارتهم في الوقوف بوجه التنظيمات المتطرفة ومنها الدولة الإسلامية وهزيمتهم في الكثير من المعارك بدءا من كوباني إلى الحسكة وحلب والرقة، إضافة لمعاركه ضد النظام السوري.
الصعود العسكري لحزب PYD، ترافق مع صعوده السياسي من خلال قدرته على ضبط المناطق التي يديرها سياسيا، وأمنيا وخدميا وقدرته على إعادة الحياة والاستقرار إلى المدن التي يحررها، وهو ما لعب دورا مهما في تودد الغرب إليه، وخاصة مع فشل المعارضة السورية في تحقيق الاستقرار في مناطق سيطرتها، فحزب PYD استطاع بناء مؤسسات وتشكيل مجالس مدنية، وإدارية بمشاركة مكونات المنطقة في الشمال السوري (روجافا)، كما وأن قواته العسكرية هي أكثر شركاء الغرب فاعلية في الحرب على الدولة الإسلامية الذي زار كبار مسؤوليهم أكثر من مرة كوباني، وأقيمت عدة مطارات لهم في مناطق سيطرتها، وهو ما أثار حفيظة تركيا المنزعجة من تنامي دور الكرد في المنطقة.
شكل تأسيس قوات سوريا الديمقراطية في أواخر 2015 فرص افضل لزيادة دعمها وتشكيل تحالف قوي لحماية المنطقة.
تعرّض حزب الاتحاد الديمقراطي لحملات قمع وملاحقات أمنيّة من قبل فروع المخابرات السورية وكان نشاطه محظوراً، وتم اعتقال أكثر من 2000 شخص من أعضائه، بينهم العشرات من القياديين، وظل عناصره ملاحقين وتم اعتقال العضو الأسبق في مجلس الشعب السوري أوسمان دادالي من قبل الأمن الجوي في كوباني وجرت تصفيته تحت التعذيب كما وتمت ملاحقة صالح مسلم الزعيم الحالي للحزب والذي تمكن من الفرار قبيل ساعات من مداهمة منزله في كوباني فاعتقلت زوجته عائشة أفندي.
مع اندلاع ثورات الربيع العربي وهبوب رياح التغيير وجد PYD الظرف مناسبا للاستفادة من الأوضاع، فرحّب بهذه الثورات، وسخر إعلامه للدعوة للثورة ضد النظام وجعل قنواته التلفزيونية بتصرف المعارضين السوريين واستضاف العشرات منهم ضمن فقرات البث باللغة العربية.
ورغم أن أولى التظاهرات ضد النظام في المدن الكردية انطلقت في نيسان من قبل مجموعات شبابية، لكن أنصار حزب PYD سبقوهم بتظاهرات خرجت منذ أول أيام الثورة وإن كانت بشعارات مختلفة عن التي كانت تنظمها “التنسيقيات” فتظاهرات PYD شملت مختلف المدن الكردية ولكنه لم يكن يلتزم بالتظاهر يوم الجمعة كما جرت عادة التظاهرات في المدن السورية، ولم يلتزم أيضا بشعاراتهم وكان ينشر في إعلامه أنها بقيادة الاخوان المسلمين، ويسعون لاقامة نظام حكم إسلامي، وكان يتهمها بأنها تحمل طابع جهادي وترفع أعلاما تركية، وصور رئيسها أردوغان الذي ينظر الكرد إليه، كنظرة العرب لإسرائيل، وفي 20 نيسان 2011 نظم أنصار PYD تظاهرات في المدن الكردية تحت اسم جمعة هنا كردستان، رافعين شعارات ما أطلقوا عليه ثورة روجافا.
في 19 تموز 2012، وتزامنا مع عقد أولى جولات التفاوض بين النظام والمعارضة في جنيف، أعلن أنصار حزب PYD انتصار ثورتهم ضد النظام، وتمكنوا خلال 48 ساعة من السيطرة على مفارزه الأمنية، والخدمية في غالب مدن الجزيرة، وكوباني وعفرين رافعين العلم الكردي على تلك المقرات، هذه التطورات تم التهميد لها قبل أشهر، حينما بدأت خلايا الحزب بنشر قواتها الأمنية في المدن الكردية، وقامت بوضع حواجز داخل الأحياء، وفي مداخل ومخارج المدن بدون أن تسجل أية حالات تصادم مع النظام الذي انكمش إلى داخل مقراته.
وتمكن PYD تدريجيا من ملئ الفراغ المني الذي خلفه رحيل النظام وركز على بناء قواته الامنية / الاسايش/ والعسكرية /وحدات حماية الشعب/ والتي كانت دعامة حماية ضد الاعتداءات المتوقعة من قبل النظام، لكن ما ظهر لاحقا أثبت أن فصائل المعارضة السورية المسلحة هي التي بدأت بشن هجمات ضد المنطقة الكردية خاصة وأن وحدات الحماية لم تقبل الانخراط في حروبهم ضد النظام، أو ضد بعضهم بعضا، وفضلت العمل منفردا في حماية مناطق سيطرتها ضاربة بيد من حديد اي تواجد عسكري خارج تنظيمها.
الصعود العسكري، والأمني لحزب PYD والذي لم يرق للائتلاف السوري الذي غاب عنه أي خطاب مطمئن للأقليات رافقه صعود سياسي، فعمل ب ي د على تطوير شبكاته الإعلامية، المحلية وتوسيع علاقاته الدبلوماسية في الدول الأوربية وبدأ مصطلح غرب كردستان او روجافا يأخذ مكانه في الاعلام والتداول حتى أن الفصائل العربية المتآلفة التي أعلنت حصار كوباني بدءا من حزيران 2013 أدرجت بند / منع تداول مصطلح غربي كردستان/ في بنود الاتفاق العشرة لوقف الحصار، حينها شاركت جبهة النصرة، وتنظيم الدولة الإسلامية أيضا في المفاوضات.
لاحقا بدأ قادة PYD يتحدوثون عن البدء بإعداد دستور لتنظيم الحياة في المنطقة الكردية حتى جاءت معركة سري كاني الأولى، والثانية لتشكل بداية تأزم العلاقات بشكل عميق بين الجيش الحر وحزب PYD، وخاصة وأنها انتهت بانتصار عسكري كبير لوحدات حماية الشعب على جبهة النصرة وأشقائها بعد معارك استمرت شهرا، ولتمتد الأحداث إلى تل أبيض، حيث قامت الفصائل التي كانت تحكمها حينها وأبرزها/ جبهة النصرة، الدولة الإسلامية، أحرار الشام / بعملية تطهير عرقية للكرد من المدينة، واعتقلت المئات من الشباب وهجرت عوائلهم إلى الحدود التركية وبدأت بشن هجمات على قرى ريف كوباني الشرقي، والغربي، وعفرين، مع تطبيق سياسة فرض الحصار على المدنيين، وهو السلاح الذي يستخدمه النظام ضد المدنيين أيضا.
الجيش الحر، ثم جبهة النصرة، ولاحقا الدولة الإسلامية تناوبوا على الحرب وفرض حصار المنطقة الكردية والذي شمل الغذاء والدواء وحليب الأطفال وحركة المدنيين الذي اعتقل المئات منهم وما يزال مصير العشرات منهم مجهولا حتى اليوم.
مصطفى عبدي
آذار 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ماهو رأيك ؟