مصطفى عبدي
لم يعد خافياً أن الانقلابات التركية في مختلف القضايا المحلية والإقليمية باتت مرتكزة على منحى واحد وهو استهداف الكرد سواء أكان في تركية نفسها، أم في العراق – إقليم كردستان -سوريا- وإيران وإن تحركاتها الدبلوماسية ومواقفها وتحالفاتها واتفاقياتها أصبحت مرهونة بالطرف الذي يتحافل معها لمواجهة الكرد.
موقف تركيا في سوريا بات واضحاً تماماً، وأصبحت سياستها متركزة على عرقلة أي دور للكرد في مستقبل سوريا وضرب صعودهم السياسي ورفض ان تمثيل سياسي حقيقي باسمهم في المفاوضات سواء أكانت في جنيف أم كانت في الاستانة وهو موقف تدعمه كذلك دمشق.
تركيا لم تعد تكترث بمصير ودور المعارضة السورية التي تدعمها والمقصود هنا الإئتلاف رغم خضوعه كليا لسيطرتها وتماشيه معها في كل المواقف دون استثناء ورغم انه ظل وسيلتها في منحى إسقاط النظام السوري لكن كل ذلك تغير الآن. فالرئيس التركي أردوغان يرغب لقاء بشار الاسد، والتصالح معه والتطبيع الكامل دون شروط .
التنازلات التركية في هذا المنحى كانت كبيرة، وبدأت منذ عام 2016 حينما أعتذر أردوغان ل بوتين بعد اسقاط الجيش التركي طائرة سوخوي الروسية ومذ ذاك باتت تركيا تعقد صفقة تلو الأخرى مع روسيا وبرضى إيران ففرضت على الجماعات المسلحة السورية التي تدعمها الإنسحاب وتسليم سلاحها في حلب الشرقية وريف دمشق ودرعا وحماة وحمص مقابل موافقة روسيا على توغل الجيش التركي في عدة مدن سورية حدودية وغض الطرف عن ممارسات التتريك وانتهاكات حقوق الإنسان والتغيير الديمغرافي.
تلك الاتفاقيات أو التسويات كانت عبارة عن صفقات تهجير وتطهير طائفية تمت برعاية تركية وإيران وروسيا، تركيا قامت باعادة تجنيد المسلحين الذين فرضت عليهم الاستسلام واستخدمتهم كحراس حدودها وكانوا يداً لها في التوغل في جرابلس واحتلال مدينة الباب وعفرين وتل أبيض ورأس العين. ولاحقا جندتهم كمرتزقة وارسلتهم إلى ليبيا وإلى أذربيجان.
بالمجمل ماتحقق من تلك الاتفاقيات كانت هزيمة دبلوماسية وأمنية وعسكرية، وهي التي مهدت الطريق لينتصر الأسد ويتحول أردوغان من رئيس سعى ودعا لاسقاط نظام الأسد إلى طالب للقرب والصلح وداعم لثبات الأسد.
أضف ان تركيا اليوم أكثر ابتعادا عن الولايات المتحدة وأكثر قربا من روسيا لكن ذلك يعتبر خسارة كبرى، الحليف الجديد لن يساهم في إعادة الدور الذي خسرته في المنطقة، خاصة وأن التقارب التركي-الروسي مبني على تعاون تحت مسمى الشراكة الجديدة، وتوصف هذه العلاقة بأشياء عديدة لا تحتويها على أرض الواقع، وهي صعبة التطبيق فبوتين حول أردوغان من شريك إلى تابع ينفذ الأوامر.
منذ البداية لم تكون العلاقة تحالفاً سليما، حيث نشأت من حرب كلامية خاضتها تركيا ضد روسيا بعد اسقاط السوخوي، ثم الاعتذار والرضوخ لموسكو. لذا فإن محاولات تركيا تعويض خساراتها للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بروسيا لم تتحقق فبوتين أدرك ذلك ولعب بشكل يضمن خضوع تركيا.
تركيا اليوم تدفع ثمن مغامراتها السياسية والعسكرية، لن ينفعها تنازلها عن إسقاط نظام بشار الأسد، أو حتى حمايته فالسياسية الخارجية التركية في أزمة حقيقية، فهي باتت غريبة ووحيدة، بينها وبين الاتحاد الأوربي مشكلات، بينها وبين امريكا، والحلف الاطلسي ومشكلات في سوريا والعراق، وأرمينيا والخليج العربي ومصر فلم يتبق أحد غير روسيا، وإيران.
يمكننا التأكد لحد كبير بأن تركيا اليوم في عهدة إيران وروسيا، فهل سيتمكنان من حماية أردوغان وإعادة تنصيبه رئيسا في أيار ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ماهو رأيك ؟