الأحد، أبريل 16، 2023

كيف ساعد أردوغان بشار الأسد لترسيخ حكمه ؟ (1)



تعَدُّ تركيا أحد اللاعبين الرئيسيين في الصراع السوري، وكان لتبدل موقفها السياسي دورٌ كبيرٌ في ترسيخ حكم الرئيس السوري بشار الأسد. بعد أن كانت تدعم المعارضة السورية بشكل كبير، بدأت تركيا بالتحول تدريجيًا نحو دعم النظام السوري، وذلك عبر التعاون الكبير مع روسيا وإيران في إطار اتفاقيات استانة وما سمي بنظام المصالحات.

التحول الذي طرأ على موقف تركيا ساهم في ترسيخ حكم الرئيس السوري وزيادة قوته ونفوذه في البلاد. وقد بدأت العلاقات بين النظام السوري وتركيا في التحسن تدريجيًا، بوساطة روسية ايرانية عبر لقاءات أمنية وعسكرية بداية ثم لقاءات سياسية مؤخرا تمهيدا للتطبيع الكامل الذي تؤجله دمشق لمابعد الإنتخابات التركية.

ويُعَدُّ الدعم الذي قدمته تركيا للجماعات المسلحة السورية في الماضي من أهم العوامل التي ساعدت في تعقيد الأوضاع في سوريا، وقد أسفر ذلك عن تصاعد المعارك والصراعات وانتشار الجماعات الإرهابية في المنطقة، لا سيما وان الحدود التركية مع سوريا ظلت مفتوحة لدخول عشرات آلاف الجهاديين من تنظمي القاعدة وداعش.

ومن الجدير بالذكر أن أردوغان قد لعب دورًا مهمًا في دعم الجماعات الإسلامية المسلحة في سوريا، وخاصة تنظيم الإخوان المسلمين. وقد قدمت تركيا الدعم اللوجستي والعسكري للحنلح العسكري لهذه الجماعات، وساعدت في تمركزها في المناطق الحدودية بين البلدين.

التغير الكبير في الموقف التركي بدأ عام 2016 ففي نوفمبر 2015، أسقط الجيش التركي طائرة حربية روسية من طراز سوخوي-24 في أجواء الحدود التركية السورية، مما أدى إلى تفاقم العلاقات بين البلدين.

وقد تبادلت روسيا وتركيا الاتهامات حول الحادث، وسط تصعيد في الخطاب الرسمي التركي. لكن في يوليو 2016، وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين على اتفاقية لإعادة العلاقات الثنائية بين البلدين وتحسين التعاون في مجالات الاقتصاد والأمن والشؤون الإقليمية، وذلك بعد أن قدمت تركيا اعتذاراً رسمياً لروسيا عن إسقاط الطائرة الروسية.

ومنذ ذلك الحين، تحسنت العلاقات بين روسيا وتركيا بشكل كبير، حيث بدأ البلدان بالتعاون في مجالات عدة، وهو ما انعكس على الوضع السوري عبر ما سمي باتفاقيات (الآستانة) حيث بدأت ما تسمى بالمصالحات والتي بمقتضاها كانت تركيا تضغط على الجماعات السورية المسلحة للانسحاب من مواقعها الاستراتيجة وتسليم المدن للجيش السوري مقابل مكاسب تركية، وتزامن ذلك مع تليين مواقفها وباتت أكثر انحيازًا للنظام السوري. ومنذ ذلك الحين، تبدلت أولويات تركيا من اسقاط النظام في سوريا إلى مساعدة روسيا وإيران لتعزيز دور وانتشار الجيش السوري وتقويته مقابل اضعاف المعارضة المسلحة.

تسليم حلب الشرقية
في ديسمبر 2016، تم الاتفاق بين تركيا وروسيا على صفقة بموجبها ضغطت تركيا على المقاتلين المعارضين للانسحاب من الأحياء الشرقية لمدينة حلب، بعد معارك عنيفة خاضتها هذه الجماعات مع النظام السوري استمرت لأكثر من أربع سنوات.

وشمل الاتفاق إخراج المقاتلين المعارضين والمدنيين من الأحياء الشرقية لحلب. وتم إرسالهم إلى شمال سوريا مقابل ضوء اخضر روسي للجيش التركي بالتوغل في مدينة جرابلس حتى عمق يصل لمدينة الباب وذلك لعرقلة تقدم قوات سوريا الديمقراطية التي كانت قد سيطرت للتو على مدينة منبج الاستراتيجية بعد هزيمة تنظيم داعش وكانت تجهز قواتها لمواصلة معاركها في جرابلس والباب.

وشكل تسليم حلب الشرقية نقطة تحول كبرى وأنعشت آمال نظام الأسد في القضاء على التمرد وتعزيز حكمه.

تسليم الغوطة الشرقية
في مارس 2018، تم الاتفاق على إخراج المسلحين المعارضين من الغوطة الشرقية، وهي منطقة في الضواحي الشرقية للعاصمة السورية دمشق، بعد حصار دام لأكثر من خمس سنوات عحز خلالها الجيش السوري عن هزيمة الجماعات المسلحة التي كانت تتمركز فيها وتشكل تهديدا كبيرا للموقع الاستراتيجي.

ووافقت المعارضة المسلحة بضغوط تركية على الخروج من الغوطة الشرقية، ومناطق أخرى في القابون وريف دمشق وتم إجلاء أكثر من 40 ألف شخص بما في ذلك المسلحين المعارضين وعائلاتهم والمدنيين إلى مدن شمالية في سوريا تحت سيطرة القوات المسلحة التركية.

وبعد انتهاء العملية، استولت الحكومة السورية على الغوطة الشرقية واستعادت السيطرة عليها، وهو ما أثار انتقادات دولية واتهامات للحكومة السورية بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان أثناء الحرب الأهلية.

تسليم سراقب
في يوليو 2017، استعاد الجيش السوري النظامي السيطرة على مدينة سراقب عبر صفقة أخرى صاغتها تركيا بعد اتفاق مع روسيا. عملية السيطرة تمت بدون مقاومة تذكر رغم ان المنطقة ظلت تحت سيطرة المعارضة فترة طويلة وكانت قد خاضت معارك شرسة للدفاع عنها لتضطر لتوقيع اتفاق استسلام يقضي بتسليم المدينة والمناطق المحيطة بها إلى السلطات السورية.

وقد أثار هذا الاتفاق جدلاً في الأوساط الدولية، حيث انتقد العديد من المراقبين والمنظمات الحقوقية تسليم سراقب للنظام السوري، مشيرين إلى مخاوفهم من حدوث انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في المدينة بعد استعادتها من قبل النظام.

ترسيخ حكم الأسد تحقق مع ماحققته الاتفاقيات الروسية - التركية - الإيرانية حيث ادت في النهاية لاضعاف الفصائل المقاتلة لاسقاط نظامه كما وافادت تلك التسويات نظام أردوغان الذي اعاد تجنيد وتسليح فصائل التسويات وجمعهم تحت اسم "الجيش الوطني" وجندهم كمرتزقة في اذربيجان وليبيا وجعلهم رأس حربة لاحتلال مدن حدودية في شمال سوريا بموافقة من دمشق وتتريكها تمهيدا لحالقها بتركيا.

أرسلت تركيا جيش المسلحين السوريين الذين كانوا يقاتلون يوما لاسقاط نظام الأسد إلى ليبيا وأذربيجان للمشاركة في الصراعات المحلية هناك، ولكن الهدف الرئيسي لتركيا تبدل وبات محصورا في استخدام هذه المجموعات في دعم قواته في احتلال المدن السورية في شمال البلاد والنهب والسرقة من المناطق الحدودية السورية. فقد استخدمت تركيا هؤلاء المسلحين الذي جمعتهم واطلقت عليهم أسم الجيش الوطني السوري كرأس حربة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في سوريا، وما زالت تستخدمهم حتى الآن في اخضاع المناطق الحدودية السورية ونهب مواردها.

هذه المناطق بعيدة جدا عن دمشق وبقاء تركيا فيها لا يهدد سلطة وحكم بشار الأسد خاصة وانها تحولت بالنسبة له لمكان ايواء الرافضين لحكمه من معارضة مسلحة وعوائلهم ومكان لتجمع الجماعات المسلحة التي صنفت عدد منها كمنظمات وجماعات إرهابية وقسم منها خاضع للعقوبات الدولية يتم استهدافهم من قبل الولايات المتحدة والولايات المتحدة ومن قبل روسيا وبالتالي فبشار الأسد غير قلق من اي تهديد قد يطال حكمه . 

مصطفى عبدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ماهو رأيك ؟

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004 1 و 2