السبت، أبريل 22، 2023

كوباني عام على التحرير: انتصارت عسكرية في موازاة الفشل السياسي والخدمي، والخذلان من المجتمع الدولي



مر عام على اعلان التحرير الثاني لمدينة كوباني من مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية الذي شنو حربا كبرى، على المدينة في 14 سبتمر 2014، تمكنوا من خلالها من السيطرة على 85% من المدينة التي كانت تحت ادارة وحدات حماية الشعب الكردية، بسلطة تنفيذية من "الادارة الذاتية" التي اعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي في شباط من العام نفسه.

كوباني تلك المدينة المنسية تحولت الى قبلة العالم، وباتت اخبارها تتصدر شاشات التلفزة وغالب وسائل الاعلام العالمية في ظاهرة قلما تتكرر لمدينة صمدت في وجه داعش وقاومته، في وقت كانت فيه غالبية المدن السورية والعراقية تستقبله بالذبائح والاحتفالات، ورافق اعلان الحرب نزوح ما يقارب الـ 300 الف مدني باتجاه الحدود التركية، رافضين احتضان داعش ليسجل ذلك ايضا كحدث نادر في أن يرفض اهالي مدينة قبول حكم التنظيم وأن يرحلوا عنها مكرهين تحت ضربات القصف والاسلحة الثقيلة والمجازر التي هددوا بها من قبل مسلحي التنظيم.

كوباني قبل الثورة:

كان النظام السوري يفرض على مدينة كوباني طوقا أمنيا مشددا، وكانت الاعتقالات والاستجوابات مستمرة من قبل الفروع المتعددة من الأمن عسكري، الى سياسي، والجنائي، والداخلي، والجوي والمئات من المخبرين غيرهم، فكانت النشاطات السياسية محظورة تماما كما الثقافية، فتنظيم أمسية شعرية مثلا كان يحتاج لمواقفة كل الفروع الامنية، لذا كانت تتم في الغالب سرا، وايضا فإن كل مفاصل الدولة، والمؤسسات الخدمية والتعليمية وغيرها كانت بإدارة أشخاص من خارج المدينة بسجل "بعثي" متزمت، وكان الواقع الخدمي سيئا، فقد كانت تُنتهج سياسة معاقبة جماعية للمدنيين، باهمال مختلف جوانب حياتهم، أضف الى ذلك فقد مورست سياسات التعريب لاسماء القرى، والمدن، وكانت اجراءات التوظيف معقدة وتحتاج الى دراسات امنية، ودفع مبالغ طائلة لتجاوزها.

كوباني اثناء الثورة:

انتفضت كوباني في وجه النظام في الاول من نيسان 2011 كاحد اوائل المدن الثائرة ضده في تظاهرات عارمة كانت تتصدر كبرى الشاشات العالمية، وهي تنقل صيحات شبابها المطالبين باسقاط النظام، وبالتضامن مع المدن الاخرى الثائرة منددين بجرائمه وسياسة القتل التي ينتهجها كون الكرد في سوريا كانوا يتعرضون لاضطهاد مزدوج قبل الثورة ليجدو فيها متنفسا في الخروج الى الشارع بعد تجربة 2004، والمطالبة بحقوقهم ورفع الظلم عنهم.

واستمر الحراك الثوري والمدني في كوباني حتى استلم حزب الاتحاد الديمقراطي السلطة في كوباني في 19/7/2012، لتعيش كوباني بعدها خلافات كردية – كردية بين " المجلس الوطني الكردي" و"حركة المجتمع الديمقراطي"، الى جانب محاولات متكررة من فصائل عسكرية في المناطق المحيطة في كوباني بفرض حصار عليها ودعوات التوجه للسيطرة عليها.

وتزايد التوتر بعد تنامي دور وحدات حماية الشعب وزيادة قوتها، فبدأت الفصائل الاسلامية / داعش، جبهة النصرة، احرار الشام/ يكيلون اتهامات بأن هذه القوات تنتهج سياسة تدعو لتقسيم سوريا، فقاموا وبالتنسيق معا بفرض حصار على مدينة كوباني في آب (أغسطس) 2013، الذي شمل الغذاء والدواء وحليب الاطفال وحركة المدنيين، إضافة إلى قطع الكهرباء والمياه،، ولاحقا ومع اعلان "الادارة الذاتية" شن داعش حربه الكبرى على المدينة، مهددا بالصلاة في جوامعها، واستعباد أهلها، وفي أمل ضمها لإمارته، وخاصة بعد ان سيطر على مساحات واسعة من سوريا.

ما الذي تحقق بعد عام من التحرير؟

ترزح المناطق الكردية في سورية تحت ظروف قاسية، نتيجة الحرب التي يشنها تنظيم «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» من جهة، والحصار الخانق الذي تفرضه التشكيلات الإسلامية “المعارضة” بالتعاقب، معطوفاً عليه الدور التركي السلبي والرافض لأي صعود لحزب الاتحاد الديموقراطي الكُردي، وهو الموقف الذي ينسجم مع وجهة نظر الائتلاف المعارض الرافض لكيان «الإدارة الذاتية» وتعتبره مشروع انفصال، في الوقت الذي يشدد المسؤولون الكُرد على أنهم يسعون إلى ترسيخ سورية ديموقراطية موحدة ومتنوعة في آن، ويعملون لتعميم نموذجهم لسورية المستقبل وفق قاعدة الجمهورية الديموقراطية والإدارة الذاتية المجتمعية.

تقع كوباني التي ما تزال تعيش حربا مستمرة على الشريط الحدودي مع تركيا، مفتقرة إلى معابر رسميّة، باستثناء معبر مرشد بينار، وتل أبيض الذين ترفض تركيا مرارا افتتاحهما، ويؤكد المسؤولون في كوباني أنه «كان بإمكان الحكومة التركيّة التخفيف من آثار الحصار والحرب» والاستجابة للنداءات المحلية والدولية بفتح البوابة، بدل زيادة تشديد الرقابة خاصة انها تعتبر نافذة وحيدة أمام الناس، ولا يتوانى الجنود الأتراك عن إطلاق النار على من يحاول اجتياز الحدود بطرق غير شرعية، حيث تم توثيق 145 حالة اعتداء " وحشية" وحدوث وفيات منذ العام الفائت. و«كأن تهريب الاحتياجات الحياتية أخطر من إدخال الأسلحة والجهاديين».

ومنذ تاريخ اعلان تحرير كوباني وبدء الناس بالعودة، لم تتوقف المعارك، حيث تم طرد التنظيم من العشرات من المدن الاستراتيجية في الرقة، والحسكة وريف كوباني، لتصبح حرب كوباني نقطة تحول، وانكسارات متتالية لداعش انتهت مؤخرا بخسارته سد تشرين مع معارك محتملة في جرابلس ومنبج حتى الشدادي ومسكنة، لكن بموازاة ذلك فإن الناس ما تزال تعيش ظروف امنية واقتصادية صعبة، وهم الذي فقدوا منازلهم، واعمالهم ومدينتهم التي تحولت الى انقاض، آذاد محمود الذي كان قد انتهى للتو وقبل بدء المعارك من اعمار منزله قال" كوباني اليوم ما تزال مدينة مدمرة، لقد بتنا واثقين بأن حرب التحالف الدولي في كوباني كانت حرب مزدوجة، لتدمير المدينة، ومحاربة تنظيم الدولة فالتحالف الدولي وداعش جعلا من كوباني مصيدتهما لهزيمة الآخر، فدمرت مدينتا ولم يساعدنا أحد حتى الان، نشعر بالخذلان من المجتمع الدولي والتحالف الذي لم يقدم لنا شيئا" ويتسائل آزاد " ألا يترتب على التحالف الدولي أن يجد حلا لمعاناة اهالي هذا المدينة التي حولتها غاراته الى انقاض".

ورغم عقد أكثر من مؤتمر واجتماع دولي حول كوباني، والاعلان عن مشاريع ضخمة ورصد أموال لمساعدتها على النهوض والاعمار فإن الجهود والمساعدات التي وصلت المدينة بالكاد تذكر، فـ "منسقية اعادة الاعمار" المعلنة منذ اكثر من عام لم تقدم الشيئ الكثير، الا انها استطاعت ازالة الركام، وفتح غالب الطرقات، تاركة اصحاب المنازل يبكون على ترابها بدل الاطلال، ولم تقدم اية مساعدات أخرى بالعكس فهنالك اتهامات لها بانها تعمدت تهديم عدد من المنازل الغير مدمرة نتيجة الحرب تماشيا مع مخطط عام تشرف على تنفيذه، وهو ما يهدد المئات من العوائل الاخرى لتسكن ايضا في العراء.

"الادارة الذاتية" لم توفي بأي من الوعود التي قطعتها على نفسها بتوفير معدات ومواد الاعمار بأسعار مناسبة، او تقديم اية مساعدات مالية او عقارات روجت من خلال مؤتمرات اعلامية بأنها ستقدمها للذين فقدوا منازلهم او دخلت ضمن مساحة "المتحف" بل وتهربت بلدية كوباني من مساعدة الناس او تقديم شيء او العمل على ضبط اسعار العقارات او مستلزمات البناء بالعكس فقد فرضت طلب تراخيص للاعمار، أضف بأن التصريح الأخير الصادر منها حول عدم وفاء الداعمين بوعودهم في تقديم الدعم والمساعدات دليل فشل هذه الادارة في اقناعهم بذلك، ويجب الوقوف عند ذلك لا التهرب واعتبارها حجة عجزها عن فعل شيء.

وكذلك فإن الخدمات الاساسية، من ماء وكهرباء غير متوفرة الا بالحد الادنى، كما وان الشكاوي كبيرة في المجال الاغاثي وعدم وصول المساعدات للناس، والمشافي لا تقدم خدماتها الا باسعار مرتفعة وان غالب المواد الغذائية والمحروقات تباع في السوق بدون رقابة مما يزيد من اسعارها بشكل كبير.

ولكن ورغم ذلك ومهما تكن الصورة قاتمة في كوباني، ورغم الدمار وندرة الخدمات وارتفاع الاسعار وغياب فرص العمل فإن الحياة فيها تسير نحو الافضل حيث تحاول "الإدارة الذاتية" بمؤسساتها وهيئاتها التي أعيد تأسيها متابعة شؤون الحياة، وتحاول قدر المستطاع مساعدة الناس في احتياجاتهم اليومية بالحد الأدنى، فثمّة منظمات ومؤسسات تقف على تنظيم الخدمات وتدبير احتياجات عوائل الشهداء، والنازحين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتحريك عجلة القطاع التعليمي، والقطاع الصحي، وتحسين مستوى الأمن عبر عناصر الشرطة «الاسايش» وإحالة معظم القضايا الشائكة إلى المحاكم المحلية، وتنظيم القضاء، والخدمات وغيرها.

مصطفى عبدي

اذار 2016


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ماهو رأيك ؟

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004 1 و 2