الاثنين، أبريل 17، 2023

داعش وتغيير تكتيك الحرب

مصطفى عبدي (سوريا)

هناك ثلاثة أقوال شائعة بين الكرد، هي أنه لا أصدقاء سوى الجبال، يعيشون في منطقة صعبة، وبالتالي، تبقى الأمور على حالها، ويرون أن على الغرب تقديم المزيد من الدعم لهم، فهو مفتاح البداية.

بات مؤكداً أن تنظيم داعش فشل في احتلال كوباني، وباتت مسألة بقاء مقاتليه ضمن أحياء المدينة مسألة وقت، ليس أكثر، فيما أصبحت مسألة سقوط كوباني مستحيلة، وأن الأخبار كلها، الآن، تدور حول خطة التحرير.

أمام هذا التقهقر والخسائر الفادحة للتنظيم في كوباني، هذه المدينة التي صمدت أربعة أسابيع، بأسلحتها التقليدية أمام العتاد الثقيل، والدعم اللامحدود من الذخيرة والسلاح في خطوط إمداد مفتوحة من ثلاثة اتجاهات لداعش، في مقابل حصار مفروض على المدينة من أربعة اتجاهات، كان لزاما وأمام فرصة أن مقاتلي كوباني رفعوا رسالة إلى ضمير الإنسانية، مفادها أنهم في كوباني يحاربون الإرهاب، نيابة عن العالم، وأن المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية، في أن لا يتخلى عن مقاتلات ومقاتلين، قررن وقرروا القتال، حتى آخر قطرة دم، آخر طلقة.

داعش لم تكن لتتصور أن تصمد كوباني، في وقت تمكنت فيه من احتلال محافظاتٍ، كالرقة، والموصل ودير الزور، واحتلت مطارات، وفرقاً عسكرية، حيث مُنيت فيها داعش بخسائر فادحة في العتاد والسلاح والمقاتلين، إلى درجة أنهم باتوا يسمونها "عين الشهداء"، بدل "عين السلام"، لكثرة قتلاهم.

وداعش، اليوم، باتت متيقنة بأنها فشلت فشلا ذريعا في كوباني، وأن هذه الهزيمة بمثابة بداية النهاية، لتنظيم تمكن في فترة قصيرة من بسط سيطرته على مساحات واسعة من سورية والعراق، ليصبح الكرد القلعة التي تحطمت على تخومها أحلامهم بالتمدد، سواء في العراق أم سورية.

هنا، كان لا بد لداعش أن تلجأ إلى تغيير في تكتيك الحرب بأن تؤدلج حربها التي كانت موجهة، في البداية، إلى توسيع رقعة السيطرة، لتشمل غالبية مدن السنة في سورية والعراق لطموحات استعادة عهد الخلافة والإسلام السياسي بالسلطة والمنصب، وإغراء المسلمين حول العالم، بالهجرة إلى ربوع الدولة، مع الانتقال إلى مرحلة البناء من الداخل، بتشريعات مقتبسة من عصور الخلافة نفسها، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة الفتوحات الإسلامية، والتي من وجهة نظر قادة الحرب والخليفة لن تتوقف عند حد.

جاء الخلل في غياب التكتيك من الانتقال بين المراحل، وتعجل أبو بكر البغدادي في إعلان نفسه خليفة، وجاء التعجل لعدة أسباب، غالبها داخلي، وصراعات بين تيارات داعش نفسها، إضافة إلى الصراع بينهم وبين "جبهة النصرة" والقاعدة ورغبة البغدادي في تعجل الإعلان، خوفا من مبادرة قد تأتي من الجولاني، او من بن لادن وبالتالي ضياع الفرصة عليه.

إضافة إلى أن دخول الكرد في العراق على الخط، والخطأ الكبير الذي اقترفته داعش في احتلالها شنكال، وسبي النساء ومظاهر القتل الجماعي، كان أحد أهم بدايات فناء التنظيم الذي لم يتوقع أن يشكل المجتمع الدولي تحالفاً ضده، والبدء الفوري بالهجوم الجوي عليه، ما شكل نقطة ارتكاز وفشل كبير للتنظيم، وبالتالي، وجد التنظيم نفسه ينتقل إلى المرحلة الثانية، مرحلة الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع، لذا، هاج مقاتلوه على بلدات العراق، وارتكبوا المجازر فيها، وقتلوا صحفيين أجانب، وكانت الاعتقالات سلاح التنظيم في سورية، لكبح جماح أي تمرد محتمل، وخصوصاً في الرقة والطبقة ومنبج وجرابلس وصرين والباب.

وشكل توحد الكرد والعرب في كوباني ضربة أخرى في خاصرة داعش التي تتمدد بالأصل، نتيجة لغياب التنظيم العسكري لكتائب الجيش السوري الحر على الأرض، وغياب قوة عسكرية متفقة، وكان الاتفاق الكردي - العربي في محيط كوباني أحد أكبر مخاوف التنظيم في سوريا، كما يخاف من أن تصبح حالة اقتداء لباقي المناطق في أن تتوحد كتائبها، فبادر إلى الهجوم بأكثر أسلحته فتكا، ويسابق الوقت لاستكمال احتلال المدينة.

تنظيم البغدادي اليوم منهك، مدمر، سجله مليء بالانتهاكات، تعرض لضربات قاسية، وبدأت بوادر غياب الثقة تطفو بين قياداته، ومقاتليه وخصوصاً مع فرار بعضهم وتصفية آخرين، إضافة إلى تسرب الطمع بالسلطة إلى نفوس كثيرين من قادته الميدانيين و المقاتلين، مع ارتفاع عدد قتلاه في سورية والعراق، وفشله الذريع في احتلال كوباني التي قتل فيها أكثر من 3000 من مقاتليه، ودمرت 40% من معداته الثقيلة في محيطها.

أمام هذا الواقع المعقد، في وقت كان خطاب التنظيم، بإجماله، موجها إلى احتلال كوباني، واعتبارها إحدى المقدسات الإسلامية، وأن مسألة التخلي عنها أقرب ما تكون إلى التخلي عن إحدى مقدسات الإسلام.

أخيراً، لجأت داعش إلى تغيير خطابها، وباتت لغتها موجهة ضد "المجتمع الدولي"، و"ضد" المؤسسات والمنظمات و"الدول الغربية"، ولجأت إلى نشر تسجيلات عديدة، وبثها في رسالة مباشرة إلى التحالف والمجتمع الغربي.

وتراهن داعش، الآن، على فرصتها في أن تصبح أمراً واقعاً، في ظل التباين بين من تكفل بقتال التنظيم ومن تداعى لمواجهته. فقوى التحالف الغربية التي تشارك في الضربات الجوية لا تبذل في هذه المواجهة، ما يتناسب مع قوتها، ومع إمكاناتها، والغارات الجوية التي تشارك فيها لا تبدو قادرة على تغيير المعادلة، أو تعديل الميزان على الأرض. فيما الدول العربية التي تتحسب من خطر التنظيم تفعل ذلك بالحدود التي لا ترتب عليها أعباء أكثر من طاقتها، أو كلفة تؤثر على أولوياتها وحساباتها الداخلية.

تتعامل الدول الإقليمية الأخرى مع داعش كفرصة سانحة لا كخطر داهم. فإيران تجد في أفعال التنظيم، وممارساته، ما تقايض به، وما يستجلب لها الاعتراف بصدقية دورها التخريبي في سورية والعراق، وامتداداً حماية الحليف الدائم في لبنان، بحيث يصبح هذا الدور تعبيراً عن مقاومة الإرهاب، لا انتصاراً للمذهب.

فيما تركيا ومنذ البداية وجدت في داعش فرصة لتغذية طموحاتها في المنطقة وتفكيكها مما يسهل توغلها بحجة محاربته في وقت قامت بفتح مطاراتها وحدودها لعبور مقاتليه باتجاه سوريا والعراق وصمتت عن تواجد قادته ومقاتليه في اراضيه وتلقيهم تدريبات عسكرية وفتحت لهم الباب لعبور الاسلحة كذلك وفتحت مشافيها لعلاج مقاتلي وقادة داعش بالمجان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ماهو رأيك ؟

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004 1 و 2