السبت، أبريل 29، 2023

على ماذا يعول السوريون في مسعاهم نحو العدالة والديمقراطية بعد التراجع الدولي عن مساعدتهم لإسقاط نظام عائلة الأسد؟


تفاؤل السوريون بقدرتهم الحصول على الديمقراطية وزوال نظام عائلة الأسد بعد عقود من الديكتاتورية والفساد وسرقة ثروات بلدهم. كان خروجهم الى الشوارع في آذار 2011 خطوة لتحقيق التحول الديمقراطية وزوال الاستبداد. لكن ذلك الحلم الذي كان يوما ما قريبا جدا بات اليوم بعيد المنال.

الوفود التي تزور دمشق أو التي تستقبل مسؤولي نظام الأسد بغرض التطبيع واعادة العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من القطيعة لن تتمكن في نهاية المطاف من منحه شرعية قرر الشعب سحبها منه، ودفع ثمنا باهظا في ذلك.

رغم انه لا يمكن التنبؤ بمصير نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حيث تتأثر العديد من العوامل بذلك. ومع ذلك، فإن الإدانة الدولية للجرائم التي ارتكبها النظام السوري بقيادة الرئيس الأسد، ستعزز فرضية احتمالية محاسبته في المستقبل

علاوة على ذلك، فإن المعارضة السورية ما زالت قوية، وهناك دول داعمة لها، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية. كما أن بشار الأسد عجز حتى الآن عن السيطرة على كل أجزاء من البلاد.

ومع ذلك، فإن النظام السوري ما زال يحتفظ بدعم دولي قوي، مثل روسيا وإيران، وبدأت العديد من الدول العربية وتركيا مساعي لاعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات كما ولديه قوة عسكرية كبيرة. لذلك، من الصعب التنبؤ بمصير نظام الرئيس الأسد بشكل دقيق في الوقت الحالي، لكن ماتزال هنالك فرص لمواجهة نظام الأسد بما يضمن تحقيق العدالة والسلام للشعب السوري وهو مالن يتحقق بوجوده.

فالأنظمة التي ترتكب انتهاكات حقوق الإنسان وتقمع الحريات الأساسية للمواطنين، وترتكب مجازر وجرائم موصوفة تواجه مصيراً مماثلاً، حيث يمكن أن يزداد الضغط الدولي والمحلي عليها، كما ان الانتفاضة الشعبية لم تنطفئ بعد وسيواصل السوريون المطالبة بالديمقراطية والحرية والعدالة.

يدرك السوريون ان التحول إلى نظام ديمقراطي قائم على حكم القانون وحماية حقوق الإنسان يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، ويتوقف على عدة عوامل مثل التعليم والتحرر الاقتصادي والتعددية السياسية والثقافية، بالإضافة إلى دعم المجتمع الدولي والدول الديمقراطية الأخرى. مثلما هم على قناعة بان نظام الأسد لم يتغير ولن يحترم حقوق المواطنين ويمنحهم الحرية والديمقراطية والعدالة، ولن يقبل ببناء أي نهج سياسي يرضي مختلف شرائح المجتمع ويضمن الاستقرار والسلم الاجتماعي.

الموقف الدولي

لا يمكن القبول بنظام بشار الأسد دولياً بسبب ارتكابه لجرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مما يشكل انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي والإنساني. فعلى الصعيد الدولي، تتمتع جميع الدول بالسيادة الكاملة وحرية اختيار نظامها السياسي، ولكن يجب أن تحترم جميع الدول مبادئ حقوق الإنسان والإنسانية الدولية وهو مالم يتحقق في سوريا.

لذلك، فإن المجتمع الدولي يدين بشدة انتهاكات نظام بشار الأسد ويعتبرها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويعمل على فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على النظام وأنصاره، ويواصل ملاحقة مسؤوليه وتقيدهم بالعقوبات الشديدة ويدعم جهود المعارضة السورية المعتدلة للتغيير السياسي وتحقيق السلام والاستقرار في سوريا.

رغم ان التوجه العربي مؤخرا بات أكثر مرونة لاعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد لكن هذه الخطوة لن تعفي الأسد من تبعات جرائمه وفك العزلة الدولية المفروضة عليه ورفع العقوبات، خاصة بعد ارتكابه جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. فالتطبيع مع نظام بشار الأسد دون الحصول على تعهدات واضحة بإجراء إصلاحات ديمقراطية وتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، سيعزز ليس فقط استمرار النظام في الحكم بل يعزز أيضاً انتهاكاته وجرائمه بحق الشعب السوري.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التطبيع مع نظام بشار الأسد بدون إجراء إصلاحات جذرية ودعم الديمقراطية وحقوق الإنسان سيشجع نظامه وبقية الأنظمة الديكتاتورية على الاستمرار في انتهاك الحقوق والحريات وقمع المعارضة السورية، مما يؤدي إلى المزيد من الأزمات الإنسانية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

لذلك، فإن أي تطبيع مع نظام بشار الأسد دون يجب الالتزام الصريح من قبله بإجراء إصلاحات ديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، بما يتوافق مع القيم والمبادئ الدولية المشتركة وحقوق الإنسان والعدالة لن يتحقق.

معاناة الشعب السوري

معاناة الشعب السوري قد تعدّت الوصف في ظل الحرب الأهلية التي بدأت في عام 2011، والتي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص وتهجير الملايين من السوريين داخل سوريا وخارجها. بالإضافة إلى ذلك، فقد تعرض الشعب السوري لانتهاكات حقوق الإنسان والقوانين الدولية الإنسانية بشكل كبير من قبل الأطراف المتنازعة والتحالفات الإقليمية والدولية. فالشعب السوري يعاني من القتل والتهجير والجوع والفقر وانتشار الأوبئة نتيجة تدمير البنية التحتية وانعدام فرص العمل والأمن الغذائي إضافة إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، حيث تعرض السوريون لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتعذيب والاغتصاب والتشريد القسري وحظر التجول وقلة الرعاية الصحية والتعليم. كما يعاني من الانهيار الاقتصادي، حيث تعرض الاقتصاد السوري إلى انهيار جزئي وفقدان العديد من الفرص الاقتصادية وتدهور العملة السورية، مما أدى إلى تفاقم الفقر والعوز والبطالة. اضافة لمعاناته من الاستغلال والابتزاز، حيث تعرض السوريون للاستغلال والابتزاز من قبل أطراف مختلفة، بما في ذلك الجماعات المسلحة والجهات الحكومية . كما يعاني السوريون من مشاكل صحية نفسية بسبب الصراع الدائر في البلاد، وتشمل هذه المشاكل القلق والاكتئاب والتوتر والصدمة النفسية والإصابات النفسية الأخرى. كما يواجه السوريون صعوبة في الوصول إلى التعليم بسبب تدمير البنية التحتية وانعدام الأمن، مما يعرض مستقبل الأجيال القادمة للخطر.

وتعد معاناة الشعب السوري واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، وتحتاج إلى جهود دولية متضافرة لتخفيف معاناة الشعب السوري وإيجاد حل دائم للصراع في البلاد.

المعارضة السورية

استفاد نظام بشار الأسد بشكل كبير من تفكك المعارضة السورية في إطالة عمره. فعندما بدأت الثورة السورية عام 2011، كان هناك توحد كبير في صفوف المعارضة ضد النظام، ولكن مع مرور الوقت، بدأت تظهر الخلافات بين الفصائل المختلفة وتفككت المعارضة إلى عدة جماعات وفصائل متناحرة.

وقد استغل نظام بشار الأسد هذا التفكك والانقسام داخل المعارضة لتحقيق انتصارات عسكرية وإعادة السيطرة على مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة. وقد استخدم النظام أيضاً التقسيمات العرقية والطائفية داخل المعارضة لتشجيع التناحر بين الفصائل المختلفة وزيادة التشتيت بينهم.

وبالرغم من أن المعارضة السورية لا تزال تحتفظ بمناطق سيطرة في بعض المناطق، إلا أن تفككها وانقسامها قد سمح للنظام بتعزيز موقفه وإطالة عمره في الحكم.

ظهر العديد من مجموعات المعارضة السورية المسلّحة، منذ عام 2011، لكنّها تعرّضت لتغيّرات كبيرة بعد مرور أكثر من عقد على النزاع؛ حيث اختفت فصائل وظهرت أخرى جديدة، وتغيّرت البنى الداخلية والتحالفات، واختلفت نسبة السيطرة على خريطة النفوذ، كما وتغير التمثيل السياسي للكيانات أيضا..

لا تمتلك جميع الفصائل تصوّرات ومشاريع سياسية، لكنّها جميعاً تسعى للبقاء والرغبة في الانخراط في الحياة السياسية للبلاد، أو الاستعداد للاندماج مع المؤسسة العسكرية والأمنية مستقبلاً. ويبدو أنه من غير الممكن أن يُغفل أي حلّ أو تسوية سياسية في سوريا الدور العسكري للفصائل والثقل الذي تُشكله، ولا بدّ من وجود تمثيل سياسي يأخذ بالاعتبار النزعات المناطقية والعشائرية والإسلامية والقومية، وإن كان ذلك لا يعني تمثيل كل منها بذات الثقل، لا سيما وأن الوصول إلى أي طاولة مفاوضات محتملة، لا تقرره قوة الفصائل العسكرية فحسب بل أيضا قوتها السياسية وما تحظى به من دعم إقليمي أو دولي.

ويمكن تصنيف المعارضة السورية الآن في ثلاثة تيارات هم:

قوات سوريا الديمقراطية (الإدارة الذاتية) مقرها محافظة الحسكة، نسبة سيطرتها تبلغ  (26%) من الجغرافيا السورية. هيئة تحرير الشام (حكومة الانقاذ) مقرها محافظة إدلب نسبة سيطرتها (5 %)، الجيش الوطني السوري (الحكومة المؤقتة) مقرها عينتاب التركية نسبة سيطرتها تبلغ (6 %) . في حين ان الجيش السوري يسيطر عل مساحة تبلغ (63 %) من مساحة البلاد.

تيارات المعارضة الرئيسية الثلاث متخاصمة فيما بينها مثلما تخاصم النظام نفسه إن لم يكن بدرجة أشد. وهو ما منح النظام الفرصة منذ البداية لهزيمتها ومازال يعتمد على خلافاتها في تحقيق السيطرة الكاملة على البلاد وفق طموحاته.

قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة تطمح لسورية لامركزية، وتؤكد ان الحل هو في تطبيق مفهوم الإدارة الذاتية وحقق نجاحات مهمة في معركة هزيمة داعش وفرض الأمن والاستقرار في مناطق سيطرتها رغم التحديات التي تواجهها المتمثلة في الهجمات التركية وهجمات خلايا داعش وتهديدات من دمشق.

الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا وقطر يطمح لتحويل مناطق سيطرتها اضافة لمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية إلى إقليم خاضع لتركيا ومرتبط بها اقتصاديا و أمنيا واداريا وعسكريا، تشهد مناطق سيطرة تعدد الميليشيات المسلحة وفوضى وفلتان أمني وانتهاكات حقوق الإنسان.

هيئة تحرير الشام أنشأت حكومة الإنقاذ تهدف لتحويل إدلب إلى ولاية إسلامية واعتبار «الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الوحيد للتشريع». تشهد مناطق سيطرتها استقرارا نسبيا وانتهاكات لحقوق الإنسان.

هل سينجو نظام بشار الأسد ؟

لا يمكن الجزم بمصير نظام بشار الأسد، فهذا يعتمد على عدة عوامل من بينها الأحداث الداخلية والخارجية، والتطورات السياسية والاقتصادية والعسكرية. ومع ذلك، فإن ارتكاب نظام بشار الأسد لجرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان يجعله عرضة للمحاسبة الدولية والعقوبات، وقد يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى نهاية النظام.

مصطفى عبدي

FB -  twitter

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ماهو رأيك ؟

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004 1 و 2