الاثنين، أبريل 17، 2023

داعش يخوض حربه الأخيرة في كوباني



مصطفى عبدي (سوريا)

أكثر من ثلاثة أشهر وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يخوض حربه في كوباني، وهو عاجز عن إكمال السيطرة عليها، بعدما استطاع اجتياح كامل قراها التي تتجاوز 300 قرية، بالإضافة إلى غالب أحياء المدينة، ليتراجع على وقع ضربات التحالف تارة، وصمود مقاتلي المدينة التي سجلت في تاريخ الثورة السورية أنها أول مدينة سورية رفضت احتضان داعش.


ومع تحول معركة كوباني إلى حرب استنزاف للتنظيم، الذي فقد فيها خيرة مقاتليه، ودمرت كثيراً من معداته وأسلحته الثقيلة والمتوسطة، بات السؤال هو إلى متى سيتمكن التنظيم من الصمود، وهو يتلقى ضربات قاسية، سواء على الأرض بقصف مواقعه من البشمركة، وخطوط اشتباكات مقاتلي وحدات الحماية مع الجيش الحر، أو من الجو عبر طائرات التحالف التي تقصف أي هدف متحرك أو تجمع، وقوافل تعزيزاته، إلى درجة أن التنظيم أصبح في حصار داخل المدينة، وهو يعجز عن مد خطوط الاشتباكات بالدعم والذخيرة؟



تنظيم الدولة، إذن، لا ينسحب عادة من معركة، مهما كان حجم خسائره، فهو تعود على هذا النوع من الخسائر البشرية، كما يحدث الآن في كوباني، كونه يملك مخزونا بشريا كبيراً.


ولكن المفارقة في معارك داعش الكبيرة، كمطار الطبقة واللواء 93 وعين الأسد والأنبار، أنه كان يكسب كميات هائلة من السلاح على عكس كوباني، حيث دمرت فيها غالب أسلحته الثقيلة.


هذا عدا عن أن دخول التحالف على الخط بهذا العنف أدى إلى تخبط في بنيان التنظيم، الذي أدرك حجم الخطر الذي يتربص به، ولم يكن يتوقع أن يكون التدخل بهذا الحجم، لذا، عمد إلى تحويل المعركة من مجرد تمدد روتيني للدولة إلى الواجهة المصيرية مع الغرب.


ونذكر أنه في كوباني فشلت أبرز أسلحة التنظيم الفتاكة، المتمثلة بالانغماسيين والسيارات المفخخة، مما أضعف بشكل كبير قدرة التنظيم، مع أنه استخدم نخبة الانغماسيين في بداية المعركة، واستطاع دخول كوباني، ظنا منه أن المعركة انتهت، عدا عن مقتل أغلب قياداته التي كان يرسلها، وهم من النخبة والمدربين.


وباتت اللعبة الأخيرة دخول معركة الأنفاق التي ظهرت إلى الواجهة، أخيراً، وهو ما يُعد تحولًا في استراتيجية داعش، ودليلًا على استماتة هذا التنظيم للظفر بكوباني، وأنه لن يتخذ قرار الانسحاب.


كوباني والظروف الدولية التي لعبت لصالحها تحولت إلى أيقونة للصمود، وكسر شوكة تمدد تنظيم الدولة الذي يدرك، تماماً، أنه لن يتمكن من إعلان إمارته فوق ترابها، أو البقاء في الأحياء والقرى التي يسيطر عليها، بدون أن يظهر فيها. لذا، لجأ التنظيم إلى تغيير مستويات خطابه الإعلامي، ليتوافق مع ظروف وأبعاد هذه الحرب على أن يحفظ ماء وجهه من خلالها، ففي بداية الهجوم على المدينة، كان التنظيم يركز، في خطابه، على تحريرها من المرتدين، وضمها إلى دولته، بدون أي بعد مصيري، حيث كانت تسير على أساس تفسير واحد لجميع المعارك التي خاضها "الدولة لم تخسر معركة، إنها على الحق، وتتمدد، لأن الله أراد ذلك".

دخول التحالف على الخط جعل التنظيم يرفع من نبرة خطابه الإعلامي، فتحولت المعركة من مجرد تمدد روتيني للدولة، إلى المواجهة المصيرية مع الغرب برمته، وحاول بعض مطابخه الإعلامية ترويج فكرة أن معركة "عين الإسلام" إنما هي يوم الملحمة، بل وعلامة لقرب الساعة وشروطها التي تشكل جزءاً من الذهنية الداعشية، بربط ظهور الدولة الإسلامية بحديث:(ثم خلافة على منهاج النبوة)، والذي أصبح أحد شعارات داعش.


وبعد تكبد التنظيم خسائر بشرية كبيرة، ارتقى، في خطابه الإعلامي، إلى تمجيد قتلاه، وكان التنظيم يتكتم، عادة، عن قتلاه قدر المستطاع. لم يتحدث التنظيم عن قتلاه، مثلما تحدث عنهم في كوباني. بدأ داعش يدرك أن كوباني معركة خاسرة، والقتلى في تزايد، ويبدو أن تمجيد القتلى كان بداية للتفكير في انسحاب من هذه المعركة، ولجم أفواه الممتعضين من أعداد القتلى وخاصة في صفوف الأنصار.


هذا عدا أن التنظيم ألزم، أخيراً، جميع عناصره بعدم الحديث عن كوباني بحملة "التكتيم الإعلامي"، بعد حادثة تفجير معبر مرشد بينار، والذي ترافق مع نشر المكتب الإعلامي لـ"وﻻية الرقة" صور معارك قديمة، اعتبرت هذه الحركة ذراً للرماد في العيون، كانت داعش تريد أن تنطبع صورة الدولة المنتصرة، قبل أن تنسحب إعلاميا من مشهد كوباني. في هذا المستوى، قتل أبو اليمان الشامي، أو أزيح عن المشهد، مع ما كان يحمله من رمزية لمعركة "عين الإسلام".


لن يعي عقل هذا التنظيم خسارة المعركة إﻻ إذا تمكّنت الدعاية الإعلامية الداعشية من توجيه انتباهه إلى نقطة أخرى، وقد ربط بعضهم توجهه إلى "معركة مطار دير الزور" باباً للانسحاب من كوباني، أو البحث عن نصر آخر في درعا، أو قرب دمشق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ماهو رأيك ؟

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004 1 و 2