مصطفى عبدي/كوباني
لعبت النساء في سورية دوراً مهماً في الحراك الثوري السلمي على الأرض، تمثّل ذلك بداية في مواقع التواصل الاجتماعي، ومساندة المتظاهرين، وتهريب السلع، وإدارة شبكاتٍ سريّة لتوصيل المواد الإغاثية إلى المناطق المحاصرة، وفي المشافي الميدانية، كما وشاركت كمقاتلة وحملت السلاح للدفاع، ولكن يبدو أنّ مختلف أطياف المعارضة لم تعر لهن الاهتمام الكافي في مشاريعهن للفترة الانتقالية، باستثناء “مناطق الإدارة الذاتية ” حيث تتمتع فيها المرأة بجانب كبير من حقوقها، اضف بأنها شاركت الرجل في حمل السلاح، واستطاعت كسر الصورة النمطية واحتكار الرجال ودخلت ساحات القتال وحملت السلاح ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، خصوصاً في مدينة كوباني، وخاضت معارك الدفاع، حيث سجلت المرأة الكردية تفوقا عسكريا، لدرجة أن التنظيم نفسه بدأ ينادي في مكبرات الصوت في مناطق سيطرته، بجدارة المقاتلات الكردية: هل نساء الكرد أشجع منكم؟
برادوست الكمالي من المنظمة الكردية لحقوق الإنسان في سوريا ( DAD )، قال أن قوات الأمن السورية تقصدت استهداف النساء خلال الثورة، حيث تعرّضت الكثير منهن للتعذيب والاغتصاب والقتل، كما تمتلئ السجون السورية بالسيدات والفتيات، وأضاف “القوات الموالية للرئيس بشار الأسد ليست عدو المرأة الوحيد في سورية، فالمتشددون أيضاً يمارسون ضدها العنف وحرمانها من مختلف الحقوق داخل الأسرة، وفي المجتمع، وعرضت الكثير منهن لخطر الإتجار بهن، أو الزواج القسري، أو تزويج القاصرات، أو العنف الجنسي، وبحسب برادوست فإن النساء في سوريا تعرضن للإيذاء أكثر من الرجال، حيث تعرضت المرأة للحرمان من حقوقها داخل العائلة، وكذلك تعرضت للانتهاكات من قبل النظام، والمعارضة على حد سواء. “لا تزال هناك المئات من النساء مختفيات قسرا” لدى مختلف أطراف النزاع في سورية”.
المرأة في مناطق الإدارة الذاتية:
إذا قارنا وضع المرأة في المناطق الكردية، مع باقي المناطق في سورية نجد أن المرأة الكردية قد قطعت أشواطا مهمة، للحصول على حقوقها، ونسب التمثيل في الادارة، والعمل السياسي والخدمي، وإذا ما قارنا نجد أن نسبة تمثيل النساء في الائتلاف السوري لم تصل إلى 20% فيما كانت تبلغ في المجلس الوطني السوري أقل من 7%، وكذلك هيئة التنسيق الوطنية.
حتى ذلك التمثيل لم يكن حقيقاً، كما تقول العضوة السابقة في الائتلاف هيفارون شريف “المشكلة في عقلية الرجل، الذي سن قوانين تحكم تلك التكتلات بدون مراعاة خصوصية المرأة ودورها، ولا تتضمن الجندرة، وأن ورود جملة أو جملتين عن حقوق المرأة في أدبياتهم ليس أكثر من كونها ورقة جذب، وذكرها يضفي صورةً حضاريةً أكثر للجهة التي تبرزها” هيفارون لم تنس أن تحمل المرأة جزءا من المسؤولية، حينما قبلت أن تكون ” الجسد” وأهملت نفسها ورضيت أن تتحول جدران منزلها الى سجن.
عند متابعة المجالس المحلية على مستوى سوريا فإنّنا لن نجد امرأةً واحدةً ممثلةً في «مجلس محافظة حلب» ولن نجد أي تمثيلٍ في باقي مجالس المدن السورية، ومجالس النواحي أو القرى، ويقول عبد الرحمن ددم الرئيس السابق لمجلس محافظة حلب الحرة: “إنّ غياب تمثيل المرأة جاء لاعتمادهم مبدأ الكتل الانتخابية، وكان من المفترض أن تقوم كل كتلة بترشيح عددٍ من النساء، وحدث أنه كانت هنالك مرشحات لكن بفئة «مستقل» لم تنجح منهن أي واحدة في الانتخابات.”
واقع المناطق الكردية مختلف تماما، فالمرأة لها تمثيل يصل إلى 50 % بحسب قوانين الإدارة الذاتية، والمجلس التشريعي، حيث تكون الرئاسة مشتركة، وكذلك فان إدارة مختلف المؤسسات أيضا مشتركة بين الرجل والمرأة.
قانون المساواة بين المرأة والرجل:
شكل إصدار قانون المساواة بين الرجل والمرأة، وقانون منع تعدد الزوجات في مناطق الإدارة الذاتية حدثا مهما في سورية، كونه جاء في وقت تتالى فيه تقارير تشير إلى انتهاكات كبيرة تقوم بها مختلف فصائل المعارضة، والنظام ضد النساء في مناطق سيطرتهم، القانون جاء منصفاً للمرأة، ومكملاً لما صدر سابقاً حول حقوق النساء في روج آفا، من خلال تشريعات خاصة سنتها جمعيات نسائية خاصة، فعقد الزواج المدني، الذي بات اليوم يطلق عليه عقد الحياة المشتركة والذي تمّ اعتماده في الجزيرة، وعفرين، وكوباني، يتضمن منع تعدد الزوجات، ومنع زواج الأنثى قبل سن ال18 عاماً، وأن يتحمّل تكاليف الزواج الطرفان، كما تمّ أيضاً إقرار توزيع الميراث بالتساوي بين الطرفين.
القانون الذي ناقش إقراره “المجلس التشريعي” يحقق العدالة والمساواة للمرأة ويرفع عنها الاضطهاد والتمييز ويمنح المرأة حقوقها الأساسية، كما تقول فوزية عبدي/ رئيسة المجلس التشريعي في كوباني وأضافت “الغاية من القانون هي إنصاف المرأة التي أثبتت وتثبت أنها مساوية للرجل، فالمرأة الكردية نجدها مربية، معلمة، تشارك في إعادة الاعمار، وفي حمل السلاح لحفظ الأمن، أو المشاركة في الحرب ضد قوى الظلام، وبالتالي فمن حقها أن يتم حمايتها بتشريعات خاصة تمنحها حقوقها أسوة بالرجل، وتستهدف أيضاً القضاء على العديد من العادات البالية التي تنتشر في المنطقة”، فوزية أشارت الى أنه ستكون هنالك صعوبات لتطبيق القانون بداية، ولكنها تفاءلت بأن المجتمع الآن وصل لمرحلة متقدمة، وتفهم أهمية منح المرأة حقوقها، والتي جاءت لسنوات نضال، وأن المرأة الكوبانية اليوم باتت رمزا عالميا للاقتداء.
يتضمن القانون أفكار تركز على محاربة الذهنية السلطوية الرجعية في المجتمع، كما أعطى القانون للمرأة الحق بـ “الترشح والترشيح وتولي كافة المناصب”، والحق بـ”تشكيل التنظيمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”. كما أقرّ القانون “المساواة بين شهادة المرأة وشهادة الرجل من حيث القيمة القانونية، والمساواة بين الرجل والمرأة في كافة المسائل الإرثية”.
ومنع القانون “تزويج الفتاة من غير موافقتها، وتعدد الزوجات، وتزويج الفتاة قبل إتمامها الثامنة عشرة من عمرها، والطلاق بالإرادة المنفردة”.
وألغى القانون المهر باعتباره “قيمة مادية هدفه استملاك المرأة، ويحل محله مشاركة الطرفين في تأمين الحياة التشاركية”. وفرض “عقوبة مشددة ومتساوية (على كلا الزوجين) على مرتكب الخيانة الزوجية من الطرفين، وتجريم الاتجار بالأطفال والنساء بكافة أنواعه وفرض عقوبة مشددة على مرتكبيها”. كما منح القانون “المرأة والرجل حقوقا متساوية فيما يخص قانون الجنسية”. وأنه “للمرأة الحق في حضانة أطفالها حتى إتمامهم سن الخامسة عشرة سواء تزوجت أم لم تتزوج ويكون بعدها حق الاختيار للأولاد، ومن واجب الطرفين تأمين السكن والنفقة للأطفال طيلة فترة الحضانة، وفي حال سفر الأولاد تحت سن الخامسة عشرة يوجب أخذ الإذن من الوالدين”.
هيومن رايتس وتش تنتقد:
رغم ما يتردد إيجابا عن استصدار قوانين، وتشريعات لصالح المرأة، نجد في المقابلات تسجيل حالات انتهاكات بحقهن من قبل “الادارة الذاتية” نفسها، وخاصة فيما يتعلق بتجنيد القاصرات، منظمة هيومن رايتس وتش أصدرت عدة تقارير حول ذلك، ففي اخر تقرير أصدرته في 15 تموز/يوليو 2015 تحدثت المنظمة أن “الجماعة الكردية المسلحة التي تسيطر على مناطق شمال سوريا، لم تف بالتزامها بتسريح الأطفال المجندين، ولم تتوقف عن استخدام الأطفال والفتيات دون سن 18 سنة في القتال، رغم أنها حققت بعض التقدم” المنظمة وثقت التحاق أطفال دون سن 18 سنة بالقتال في صفوف وحدات حماية المرأة، ورغم ذلك فالمنظمة أبدت ثقتها في أن يتم تسريح هذه الحالات ” إن وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة ليست القوات الوحيدة، من بين عديد المجموعات المسلحة الأخرى، التي تجند الأطفال في سوريا، ولكن بوسعها القيام بأكثر من ذلك للقضاء على الظاهرة”
ونقلت المنظمة شهادات عن والد طفلة تبلغ من العمر 14 سنة قرب القامشلي: “كانت ابنتي في المدرسة، وهناك قامت مجموعة تابعة لقوات حماية الشعب بتجنيدها. لم نعلم أي شيء إلى أن اتصل بنا أحد القادة وأعلمنا أنها انضمت إلى وحدات حماية الشعب”، واشارت المنظمة ان وحدات حماية المرأة في 20 أبريل/نيسان سرحت 16 فتاة.
قواعد المقاتلين المتشددين:
من المؤكد أن الوضع في مناطق الإدارة الذاتية، مختلف، فالمرأة في باقي المناطق تخسر، لأنّ المعارضة السياسية غير قادرة على فرض وجودها، باعتبارها لم تحقق أي نصر، كما وأنها لا تمتلك أي قوانين تحمي المرأة، وتمنحها حقوقها، بدءا من نسبة التمثيل والمشاركة في اتخاذ القرار، حتى مسألة العمل على سن تشريعات تحميها في مناطق المعارضة، وبالتالي ترك الأمر للفصائل ” الإسلامية” التي انتهتكت حقوق النساء، بشكل فاق حتى انتهاكات النظام، وبالتالي فرض على المرأة السورية أن تنتقل من حكم من يعتقلها، لحكم من يعتبرها “حرمة”، ومحرومة حتى من كشف وجهها.
ولكن رغم ذلك يمكننا أن نثق بوعي المرأة الجديد الذي تشكّل خلال الحراك الثوري، واكتشافها لقدراتها، ويمكنها أن تستفيد منه في المراحل اللاحقة من خلال العمل المنظم، وتشكيل جمعيات نسائية متعددة، تعمل في الخارج، فما تواجهه المرأة من كراهية وقمع على أيدي المتشددين بمثابة انتكاسة، لدرجة أن الكثيرات منهن يفضلن الانتقال الى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، لأنّها رغم المخاطر لا تتعرض لمضايقات لمجرد أنّها امرأة، وتقول أمينة الحاج الهاربة للتو من منطقة سيطرة جبهة النصرة «لا أثق بالمعارضة في سورية، ولا أعتقد أنّ حياتنا ستكون أفضل إن حكمونا»
خلفية تاريخية
المرأة الكردية لم تصل لهذه المرحلة من نيلها لحقوقها، ومشاركتها في صناعة القرار إلا بعد نضال طويل، فبرز أسمها في ثورات قديمة، كثورة أرارات 1930 حيث برزت (ياشار خانم) عقيلة الجنرال إحسان نوري باشا قائد الثورة، إلى جانب أسماء أخريات من عشيرة الجلالي، وفي انتفاضة ساسون 1925-1936، برز اسما (زاريا خانم علي يونس ورقية خانم علي يونس)، وفي عام 1946 كان ل (مينا خانم) زوجة الشهيد قاضي محمد دور لا يستهان به في ترسيخ بنيان جمهورية مهاباد، وذلك عبر تأسيسها لاتحاد النساء الديمقراطي الكردستاني في مدينة مهاباد وحثها لزميلاتها في نشر الوعي والاطلاع بين النساء الكرديات، أما الأميرة روشن بدرخان فكان لها الدور القوي والفعال بين الأوساط الثقافية الكردية في دمشق ويعود لها شهرة ولقب أول امرأة تقرأ وتكتب باللغة الكردية – الأبجدية اللاتينية – وذلك عبر مجلة ” هاوار ” ووقوفها المتواصل إلى جانب زوجها الأمير جلادت بدرخان خلال مسيرته الثقافية، وكانت روشن من المؤسسات لجمعية ( إحياء الثقافة الكردية في دمشق 1954-1955 ) وأيضا نذكر ( ليلى قاسم) التي اعدمها النظام العراقي في 13-5-1974 وغيرهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ماهو رأيك ؟