الخميس، أبريل 27، 2023

«الإدارة الذاتية» في مواجهة تحديات الحرب والحصار

طفلة تحمل شقيقتها الصغيرة في مخيم سردم الذي يقطنه المهجرون من عفرين بريف حلب

ترزح منطقة "الإدارة الذاتية" تحت ظروف قاسية، نتيجة الحصار القصف والتهديدات التركية المتواصلة إضافة للهجمات وحرب العصابات التي تشنها خلايا تنظيم الدولة الإسلامية من جهة بالتعاقب، معطوفاً عليه الدور السلبي للنظام الحاكم في دمشق والرافض لأي حلول سلمية ومفاوضات، وهو الموقف الذي ينسجم مع وجهة نظر الائتلاف الرافض لكيان " الإدارة الذاتية" وتعتبره مشروع للانفصال عن البلاد، في الوقت الذي يشدد المسئولون في الإدارة الذاتية بأنهم يسعون إلى ترسيخ سورية ديمقراطية موحدة ومتنوعة في آن، ويعملون لتعميم نموذجهم لسوريا المستقبل وفق قاعدة الجمهورية الديمقراطية والإدارة الذاتية المجتمعية. 

وتبرز ثلاث تحديات أساسية توجه الإدارة الذاتية المتثملة في حملة مكافحة الإرهاب وتعقب أنشطة الخلايا النائمة الموالية للتنظيم، إضافة إلى التحدي الثاني المتمثل بهجمات الجيش التركي، واستهدافها مناطق شمال وشرق البلاد. التحدي الثالث، يتمحور حول استهداف السلطة المركزية في دمشق، عبر خطابها الإعلامي والرسمي، استقرار المنطقة ومكوناتها.

وبعيداً عن المشهد العام المتداول، ثمة تحديات عميقة تعصف بهذه التجربة الناشئة، إذ ما قفزنا فوق التحديات الأمنية والعسكرية، سنصطدم بجملة من عقبات اقتصادية بالغة الصعوبة. فمناطق الإدارة الذاتية تعاني من ويلات تدهور الحياة الاقتصادية، والتي تقول المصادر المحلية بأنها من أهم المسببات الحيوية في الوقوف وراء ارتفاع معدلات النزوح الجماعي والفردي منها. 

لكن لا يستقيم تفسير إلقاء مسؤولية الهجرة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية بمعزل عن تعقب مسار التطورات العسكرية الجارية على الأرض، حيث تشير الأرقام المحلية أن المناطق الكردية تعتبر أسخن مناطق الحرب في سوريا وتتعرض لقصف شبه يومي من قبل الطائرات المسييرة التركية والمدفعية والصواريخ التي تستهدف لقرى والبلدات، إضافة للهجمات المتكررة التي تشنها خلايا مرتبطة بتنظيم داعش والجيش الوطني السوري. 

تركيّا شريك في الحصار

تقع منطقة الإدارة الذاتية على الشريط الحدودي مع تركيا، ولديها معبران مع تركيا «معبر قامشلي » و«بوابة كوباني» إلا أنها مغلقان بقرار تركي، كما توجد معابر أخرى «معبر جرابلس» و«بوابة تل ابيض» و «معبر رأس العين» وهي واقعة تحت سيطرة «الجيش الوطني السوري». 

تؤكد الإدارة الذاتية بإنه «كان بإمكان الحكومة التركيّة التخفيف من آثار الحصار»، والاستجابة للنداءات المحلية والدولية وفتح ممر إنساني يسهل حركة المدنيين، والمواد الغذائية والتجارية إلا أن تركيا لم تستجب لكونها تمارس حربا اقتصادية كذلك، زد على ذلك تشدد حرس الحدود التركي الرقابة على جميع المسالك غير الرسمية والتي تعتبر نافذة وحيدة أمام الناس، ولا يتوانى الجنود الأتراك في إطلاق النار على من يحاولون اجتياز الحدود، حيث تم توثيق 15 حالة وفاة منذ بداية العام الجاري. و"كأن تهريب الاحتياجات الحياتية أخطر من إدخال الأسلحة والجهاديين".

كما فاقمت هجمات تركيا والميليشيات السورية المسلحة الذي رافقها توغل عسكري واحتلال ثلاث مدن رئيسية ( عفرين، تل أبيض ، رأس العين ) من معاناة السكان الذي اضطرو للنزوح من منازلهم في القرى والبلدات والمدن المحتلة، ولجئ غالبهم للسكن في مخيمات مؤقتة بظروف إنسانية صعبة للغاية، كما وتسببت تلك الهجمات في زيادة التوترات العرقية لاسيما وأنها استهدفت مناطق مستقرة؛ آمنة. وتسببت الحملات التركية في نزوح السكان المحليين في الوقت الذي تم توطين عشرات الآلاف من الأشخاص الذين جرى نقلهم من ريف دمشق ومناطق أخرى في سوريا إلى هذه المناطق وجرى توطينهم في منازل سكان عفرين وتل أبيض ورأس العين المهجرين قسرا كما وقام هؤلاء بالاستيلاء على أراضي المهجرين وممتلكاتهم.

كما أن الأشخاص النازحين الذين تم توطينهم في هذه المناطق يتلقون معاملة تفضيلية على السكان المحليين المتبقين، وإن هؤلاء يتمتعون بالمزيد من الأمن الشخصي، وعدم الاعتقال والخطف وأنه يمكنهم ممارسة سُبل عيشهم والتمتع بحرية الحركة وممارسة تقاليدهم الخاصة. كما أن النازحين كذلك لم يسلموا من الاعتداء حيث تمت مصادرة كل ممتلكاتهم، وهي أمور ساهمت لحد كبير في  تمزق النسيج الاجتماعي في المنطقة.

طبيعة الحياة داخل مناطق الإدارة الذاتية

ومهما تكن الصورة القاتمة في بعض المناطق إلا أن الحياة فيها تسير على ما يبدو بطريقة منظّمة لدرجة كبيرة، حيث تشهد المنطقة استقرارا وضبطا أمنيا، حيث تحاول الإدارة الذاتية بمؤسساتها وهيئاتها متابعة شؤون الحياة، وتحاول قدر المستطاع مساعدة الناس في احتياجاتهم اليومية، فثمة منظمات ومؤسسات تقف على تنظيم الخدمات وتدبير احتياجات عوائل الشهداء، والنازحين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتحريك عجلة القطاع التعليمي، مع أهمية إيلاء بوجوب تحسين مستوى الأمن عبر عناصر الشرطة " الاسايش" وإحالة معظم القضايا الشائكة إلى المحاكم المحلية المختصة، وإن سجلت ووثقت عدة انتهاكات في مناطق الإدارة الذاتية ولكنها لا تعتبر شيئا مقارنة مع المناطق الأخرى في سورية.

وتبقى المشكلة الأساسية المتعلقة بالخدمات والبنية التحتية لا سيما الكهرباء والمياه والوقود والمواد التموينية والغذائية حيث تتزايد شكاوي الناس من تباطئ استجابة مؤسسات الإدارة وعدم القدرة على توفيرها بالحدود المطلوبة وإن كانت هنالك عوامل خارجية تتحكم في عدد من تلك الخدمات لكن الاتهمات توجه بالدرجة الأولى للمؤسسات التي تتأخر عن توضيح أسباب الخلل ولا تنجح دائما في معالجتها.

بكل حال لا يبدي الكرد في سوريا قلقاً بخصوص المستقبل. فهم يؤمنون بقدرتهم على كسب التّحديات إذا ما حُلّت الأزمة السوريّة. يثق معظمهم بقدرتهم على «لعب السياسة». وهم لا يوافقون على اتهامهم بوجود «نزعة انفصالية» لديهم. لكنهم يجدون أن حصولهم على «الإدارة الذّاتيّة» حقّ مشروع.

مصطفى عبدي

27 نيسان 2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ماهو رأيك ؟

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004 1 و 2