الدكتور مظفر العباسي من آل العباسي في إدلب، مواليد 1918 خريج كلية الطب من الجامعة الفرنسية بلبنان التابعة لجامعة بون/فرنسا، لديه ثلاث أولاد(عصام مهندس كهرباء في الرياض، مصطفى طبيب اسنان ومدير المشفى السوري الفرنسي في حلب، ومحمد صيدلاني) وتسع بنات، تزوج من كوباني في العام 1979 وتوفيت زوجته قبل تسعة أعوام، وهو ما يزال مستمرا في الدوام اليومي في عيادته كأقدم طبيب في كوباني بل وفي كامل ريف حلب،
د. مظفر في ذاكرة كوباني، وسرد للكثير من التفاصيل المنسية عن تاريخ وحضارة مدينة، إضافة الى تفاصيل دقيقة عن رحلته من اسطنبول الى حلب الى دمشق ولبنان ومن ثم الى كوباني والاستقرار فيها حتى تاريخه، ويقول:في كوباني” أحب عائلتي، وعملي، وكوباني”
بدأ الدكتور مظفر حديثه من الأيام الأولى” عشنا في اسطنبول حيث كان والدي “اركان حرب بالجيش العثماني”/منطقة ارزروم، وكان يحمل شهادة في حقوق إضافة إلى الحربية، وبعد انتهاء الحرب انتقلنا الى حلب ونتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وعدم وجود عمل انتقلنا الى دمشق وهناك تسلم والدي “الدرك” وبعد التقاعد وباعتباره يحمل اجازة في الحقوق رشح ليكون عضوا في مجلس الشورى بدمشق، وكنت حينها صغيرا بالمناسبة أنا أصغر اخوتي .
التحقت بالدراسة عند “الراهب كفرير مارسيت” ووصلت الى الشهادة الثانوية وحصلت على شهادتين(الادبي والعملي) وقتها كانوا يقولون عن الفرع العلمي “الرياضيات” وانتقلت لمتابعة تعليمي في كلية الطب بلبنان في الجامعة الفرنسية(فرع جامعة ليون) وبقيت فيها سبع سنوات حتى التخرج ثم عدت الى سوريا ومنعت من مزاولة المهنة قبل التعديل “كولوكيوم” وبالفعل اجريت فحص التعديل وكنت الأول على دفعتيالتي كانت مكونة من 15 طبيب وتم فرزي الى طبابة منطقة ادلب حينها كانت ادلب منطقة وليس محافظة وكان الحاكم هو القائم مقام وما كان العسكرمتواجدا فيها .
بقيت في ادلب سنة ونصف السنة ثم انتقلت الى مطار دمشق الدولي كطبيب للمطار، ورغم المنصب والقيمة المعنوية والتسهيلات المقدمة إلا أن العمل لم يرق لي في لأنه كان إدارياً وبعيداً عن مهنتي كطبيب لذا التحقت بمديرية الصحة بدمشق اذ لم تكن هنالك وزارة بعد، وتم فرزي الى منطقة جرابلس التي كانت اكبر من كوباني (عين العرب) وهناك بقيت فترة فحدثت تغييرات كان من نتائجها أن لم يبقى في كوباني أو تل ابيض أي طبيب لذا تسلمت الاشراف على طبابة كوباني وتل ابيض اضافة الى جرابلس، وكنت انتقل بالقطار بين هذه المراكز الثلاث حيث كان القطار يبدأ رحلته اليومية من “جوبومبيك” ويصل الى تل ابيض وقسمت دوامي بين المراكز الثلاث(3 أيام في جرابس، 3 في كوباني، ا في تل ابيض) في تل ابيض كان العمل اكثره ادارياً يقتصر على متابعة الحالات مع القاضي وكتابة التقارير، وبقيت الامور كذلك حتى تم ايفاد طبيب الى جرابلس وطبيب الى تل ابيض فبقيت في كوباني كطبيب ملتزم منذ تشرين الاول من العام 1949.
وفي المقارنة بين كوباني انذاك وكوباني اليوم تابع العباسي حديثه “هنالك فرق كبير،ويصعب أن نقارن فكوباني اليوم تطورت بشكل كبير ضمن السياق الطبيعي للتطور العمراني والمواصلات والثقافة والتعليم وغيرها من المجالات فمثلا في مجال التعليم كان في كوباني مدرسة واحدة وصغيرة (سنة 1949) كان اعلى مستوى تصلها البنت هو الصف السابع اما الذكور كانوا قليلي الالتزام المدرسي بعكس البنات، لم تكن هنالك حقوق للنساء اذ كننا محرومات من كل شيء بعكس اليوم فهن يتمتعن بالكثير من حقوقهن”.
تابع العباسي”كان هنالك عدة أنهار تنبع من”كولى،Golê*” وتتجه شرقا، نهر صغير يمر من أمام “حارة الكمرك” والثاني أمام الجامع الكبير، ونهر ثالث باتجاه “قره حلنج” واتذكر الفيضان الكبير اذ تدفقت كميات كبيرة من المياه من تركيا حاملة معها القنابل المزروعة على الحدود الى الكولى التي امتلأت وسدت القنابل الينابيع مما ادى الى توقف تدفق المياه منها (سنة 1951).
كوباني كانت مقسمة ديمغرافيا الى قسمين: القسم الشرقي يسكنه الأكراد والشمالي يسكنه الارمن والتركمان الذين جاؤوا من ناحية “براجيك” و”اورفا” أما السوق فكان بيد التجار الأرمن إلا مجال الأقمشة فكان الكرد أكثر حرفة فيها.
ومن القصابين اتذكر “طقطوق” و”قريجان” و”براهام” وكان هنالك البعض من التجار الاتراك المتعصبين لدينهم سكنوا كوباني بعد هجرتهم مع الاكراد وغالبيتهم من اورفا وبراجيك فسكن قسم منهم كوباني والقسم الاخر سكن في جرابلس حيث كان فيها عائلة غنية استملكت غالبية اراضيها (بيت نبكي) وكانت تملك القوة والنفوذ وبعد ان هاجروا باتجاه دمشق سكن عرب الارياف جرابلس.
الارمن كانوا ماهرين في البناء ايضا اذ كانت منازلهم في غالبها مبنية من الحجر بعكس الكرد الذين كانوا يسكنون في قبب طينية.
وفي سؤالنا عن أصدقاء الدراسة وزملاء المهنة قال: اغلب اصدقائي تركوا مزاولة المهنة واتذكر منهم إحسان الرفاعي الذي اصبح وزيرا للصحة ووالده كان وزيرا للداخلية، و جان شيرازي وهو طبيب مشهور في حلب وما زلنا نتواصل لكنه ترك المهنة منذ 10 سنوات لإصابته بمرض الزهايمر، والبعض فارق الحياة كالاطباء سيسنيان(عصبية) واحسان الرفاعي وكمال خوجه رحمهم الله.
وفي الاستفسار عن حال المستوصف في زمانه قال:كان هنالك شخص من بيت الخوجه يشرف على المستوصف بشكل مؤقت ومن ثم استلمته منه.
اكثر الامراض انتشارا في تلك الآونة كان الملاريا تأثرا بمياه “الكولى” وايضا الحصبة والجدري المائي، عانيت جدا من جهل الناس والعادات السلبية الكثيرة التي كانت النسوة تتبعها فقد كانوا يجهلون الطرق الصحيحة للاهتمام بالأطفال، فكثيرا ما كانت تأتينا حالات نتيجة لذلك فعلى سبيل المثال كانت من اكثر العادات شيوعا كي بطن الطفل المصاب بالإسهال او خلط الشحوار مع الحليب واطعامه للطفل المصاب بالسعال…أما الأمراض الوراثية فقد كانت أقل مقارنة مع الآن، هذا عدا عن أننا كنا نعاني من حالة خاصة وهي ان النساء الكرديات عموما كننا يخفين عنا امراضهن وخاصة النسائية منها(المبيض، الولادة، العقم…).
وفي مستهل حديثنا عن عادات الزواج وحجم النقد الذي كان الشبان يدفعونه للزواج في تلك الايام قال :المهر في كوباني وقتها كان مرتفعاً لأن عدد النساء كان أقل بكثير من الرجال، فأقل “زيجة” كانت تكلف حوالي 300 ليرة ذهب(المهر كان بالليرات الذهب وقتها) هذا عدا عن طلبات “الخال” و” العم” و”الأخ” وقد دفعتها ايضا حين تزوجت من كوباني.
اما عن لغته وكيف تعلم الكردية قال العباسي “تعلمت اللغة الكردية نتيجة الحاجة اليها فغالبية المرضى والسكان وقتها لم يكونوا ملمين بالعربية لذا كان من الضروري ان اتعلم الكردية لسهولة التواصل”.
وفي سعر المعاينة تابع” لم أغير تسعيرة الـ 300 ليرة سوريا، لأن الشعب في كوباني فقير ولا يستطيع دفع 500 ليرة او 800 كما أسمع، فهذا “جشع” ولا يحق للطبيب أن يكون “جشعا، استغلالياً” فالطب مهنة انسانية قبل كل شيء والواجب ان نساهم في مساعدة الناس لا أن نزيدها على كاهلهم.
الأطباء الوافدون مؤخرا الى كوباني من حلب وغيرها هم ارباب هذه التسعيرات المرتفعة، وهو عمل مرفوض “آخدين الطب مهنة لتعباية الجيبى”
سألنا ايضا عن الدواء الكثير الموجود في العيادة فرد” كميات الدواء الموجودة بالعيادة توازي ما يوجد في صيدلية كاملة، وهذا شيء طبيعي لأن الموزعين الذين يأتون من المحافظات يوزعون عينات مجانية علينا وليس من عادتي بيعها كما يفعل البعض، والموجود الان هو ربع المتركم عندي”
وفي عادته في عدم سؤال المريض عن الأعراض تابع” عندما تكون طبيبا ناجحا يجب عليك ان تكتشف الاعراض والمرض لا ان تسأل كما يفعل غالبية اطبائنا وهذا ناتج عن عدم التفاهم بينهم والمريض، طبعا الناحية المادية لها دور فتجد العديد من الأطباء يتعاقدون مع المخابر او الاشعة ويوجهون مرضاهم اليهم بغرض الفائدة المتبادلة وهذا”عيب” و”مخجل حقا” على مبدأ” حكلي لحكلك “
وفي سؤالنا عن سبب عدم رغبته في مخالطة الناس قال” لست اجتماعيا فأنا اهتم جدا بعملي ولا اجد وقتا لتبادل الزيارات الاجتماعية هذا عدا عن أني وجدت ان غالبية الصداقات التي كونتها تم فيها استغلالي”
وايضا عن الوسائل التقنية والانترنت قال ” اتابع التلفاز والاخبار احياناً، اما الانترنت فرغم توفره عندي إلا أني لا أتصفحه مطلقاً، فبرأي هي أدوات تلهي عن العمل “لا أحبذ الجلوس في المنزل، فالرجل يجب أن يعمل باستمرار”
وفي هوايته بتربية الدجاج قال” احب تربية الدجاج فهو طير أليف، واستفيد من بيضه، فالبيض الموجود في السوق “غير صحي” وقد يحمل امراض مثل السلمونيلوز والتيفوئيد….امام الدجاج الذي اربيه فأنا اعرف ماذا يأكل، وايضا احب الكلاري”
وفي ختام اللقاء أعرب الدكتورمظفر العباسي عن سعادته لإجراء هذا الحوار، في الوقت ذاته أبدى ارتياحه لهذا النبش في الذاكرة متأسفاً لأنه نسي الكثير من الأسماء والمواقف التي كان يجب أن تدون، ومعتبرا بفكرة”بقيت في كوباني، وأحببت أهلها، ومنهم أحببت كل كردي”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ماهو رأيك ؟