تشهد مناطق شمال سوريا الخاضعة لسيطرة القوات التركية وميليشياتها السورية، بما في ذلك الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام، تكثيفاً في الغارات الجوية من قبل الطائرات الأمريكية التي تقول انها تستهدف قيادات في تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة وغيرها من المنظمات المدرجة على قوائم المنظمات الإرهابية. وذلك بحسب بيانات تصدر عن الجيش الأمريكي الذي يؤكد كذلك أن هذه العمليات العسكرية تأتي في إطار الدفاع عن القوات الأمريكية ومصالح الولايات المتحدة.
وفي ظل التوتر الأمني المتصاعد في سوريا عموما، تستخدم الولايات المتحدة طائرات مسيرة لتنفيذ الغارات الجوية وضرب المواقع المشتبه بها لتنظيمات إرهابية. ومع أن الغارات الجوية تستهدف في الأساس قيادات التنظيمات الإرهابية، إلا أنها قد تؤثر أيضاً على المدنيين الذين يعيشون في المناطق المستهدفة.
مؤكد ان هذه الغارات يخطط لها بعناية وتتم استنادا لمعلومات استخباراتية ولكونها تجري ضمن مناطق خاضعة لنفوذ الجيش التركي فلا يستبعد وجود تنسيق معها وكذلك مع جماعات مسلحة سورية تنشط بفعالية في تلك المناطق وكذلك بناء على معلومات ينقلها بعض المخبرين على الأرض.
رغم أن هذا التصعيد في الغارات الأمريكية يأتي في سياق اتهامات تركيا بدعم بعض المنظمات الإرهابية في المنطقة، وبخاصة تنظيم هيئة تحرير الشام، الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من إدلب، والذي يعتبر جزءاً من تنظيم القاعدة إلا انها تجري بتنسيق مباشر او غير مباشر مع المخابرات التركية والتي بدورها تنسق مع هيئة تحرير الشام ( جبهة النصرة سابقا) والجيش الوطني السوري الذي يضم في صفوفه المئات من قادة وعناصر داعش دون أن يتم استهدافهم.
وتجاوز عدد الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة في مناطق الشمال السوري، التي تخضع لسيطرة القوات المسلحة التركية وميليشياتها السورية، 37 هجومًا. وأسفرت تلك الهجمات، وفقًا لبيانات متفرقة صادرة عن الجيش الأمريكي، عن مقتل 27 شخصية تم اعتبارهم خطرًا على القوات الأمريكية ومصالح الولايات المتحدة، على الرغم من أن 21 شخصًا لم يكن قد تم إدراجهم سابقا على قائمة الشخصيات المطلوبة سابقًا.
وعند استعراض السيرة الذاتية للمستهدفين، باستثناء القادة الثلاث لتنظيم الدولة الإسلامية، تبين أن الأغلبية الساحقة منهم كانوا بدور محدود جداً في تلك التنظيمات، أو من المناصرين الذين لم يشاركوا في أي هجمات عسكرية، ولم ينضموا لأي جماعات مسلحة. ومن بين المستهدفين، كان هناك مدنيون ورجل مسن لم يسبق له حمل السلاح ولم ينضم لأي تشكيلات عسكرية.
يثير هذا الأمر قلقًا بشأن مدى دقة المعلومات التي تستخدمها الولايات المتحدة في تحديد الأهداف، وإن كانت تتعرض للخداع خاصة وأن بعض المستهدفين تركوا العمل الجهادي منذ سنوات طويلة وعادوا لعوائلهم ويعملون في مهن بسيطة، وآخرون لم يكونوا جزءا من أي تنظيم مسلح. ومن المحتمل أن يكون هناك خداع تمارسه أجهزة الاستخبارات التركية، والمتعاونون مع القوات الأمريكية على الأرض وخداع تمارسه هيئة تحرير الشام و الجيش الوطني السوري بتنسيق مع المخابرات التركية او دون التنسيق معها حيث يتم منح مواقع لشخصيات معارضة لهيئة تحرير الشام / الجيش الوطني، ليستهدفها التحالف الدولي او التضحية باسماء لشخصيات متقاعدة لم يعد لها اي أثر او دور في تنظيماتها لتصفيتهم مقابل مكاسب تعود بالنفع على تركيا وعلى تلك الجماعات المسلحة والتي تضمن بقاء قادتها في مأمن من أي هجوم.
يبدو أن جهاز المخابرات التركي، الذي يتحرك بفعالية في المناطق السورية المحتلة، يتعاون مع الولايات المتحدة بتزويدها بمواقع وتحركات بعض الأشخاص الذين لديهم ماضٍ جهادي، لكن لم يعد لهم اي دور حاليا وذلك في مناطق مثل إدلب وريف حلب وريف الرقة وريف الحسكة. ولكن هذا العمل ليس بدون ثمن، إذ تقبض تركيا ثمن هذه المعلومات من خلال صمت واشنطن عن الغارات التي يشنها سلاح الجو التركي مستهدفا قيادات قوات سوريا الديمقراطية.
اذا تقبض تركيا ثمن هذه الخدمات من خلال صمت الولايات المتحدة حيال الغارات التركية التي تستهدف قوات سوريا الديمقراطية والمدنيين والمنازل، والتي تشمل أيضًا استهداف قيادات ومسؤولين في الإدارة الذاتية.
لكن هل تتحرى الولايات المتحدة بدقة في خلفيات الشخصيات التي تستهدفها بناء على معلومات تصلها من انقرة؟
هل تدرك الولايات المتحدة انها وقعت ضحية عملية خداع طويلة من قبل تركيا، وبعض المخبرين المرتبطين بالميليشيات السورية حيث تزوّد الـ CIA بمواقع بعض شخصيات مفترض انها تشكل خطراً على الولايات المتحدة، لكن الحقيقة مختلفة فغالب الذين يجري استهدافهم معارضون لزعيم هيئة تحرير الشام وقيادات في الجيش الوطني السوري أو هم كبش فداء، كما كان يفعل الممثل الأمريكي (مورجان فريمان) في شخصية سلون في الفلم الشهير Wanted. كما ان أهم الشخصيات المدرجة على قائمة المطلوبين لدى الجيش الأمريكي يتحركون بحرية تامة دون ان يتم استهدافهم ولو بصاروخ تحذيري ومنهم أبو محمّد الجولاني القائد الأعلى لهيئة تحرير الشام المُسلّحة. وكان أيضًا أميرَ جبهة النصرة – قبل أن تُغيّر اسمها – التي تُعدّ الفرع السوري لتنظيم القاعدة.
مصطفى عبدي
4 أيار 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ماهو رأيك ؟