الثلاثاء، مايو 09، 2023

لماذا قررت الدول العربية استئناف علاقاتها مع نظام بشار الأسد بعد عقد من القطيعة ؟

صوَّتت الجامعة العربية 7 مايو/أيار 2023، على إعادة مقعد سوريا إلى سوريا بعد مرور أكثر من 11 عاماً على الحرب الأهلية فيها، عندما اُتخذ قرار تعليق مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة العربية ومنظماتها في 16 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011، إثر فشل مهمة بعثة عسكرية تابعة للجامعة العربية أُرسلت لضمان عدم قمع الاحتجاجات في عام 2011. وهي الاحتجاجات التي قمعها الأسد بالقوة وارتكب عشرات المجازر واعتقل عشرات الآلاف وأعدم الكثير منهم ميدانيا.

عند البحث عن الأسباب التي دفعت الدول العربية لاسئتناف علاقتها مع نظام عائلة الرئيس السوري بشار الأسد لن نجد سببا مقنعا البتة، فالأسباب التي دفعتها للمقاطعة لم تتغير، بل زادت جرائم نظام الأسد فظاعة، مع اكتشاف المزيد من الانتهاكات التي ترتقي لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مورست بحق شعب أعزل، ضربهم النظام بكل اسلحته وقوته وجبروته وقتل الأطفال والنساء وهجر مئات الآلاف ودمر مدنا واستخدم في حق السوريين مختلف أنواع الأسلحة والبراميل المتفجرة.

لم يغير النظام من سلوكه يوما، بل زاد العنف والقمع حتى مع النازحين الذين قرروا العودة بعد سنوات من تهجيرهم، وغالبهم من الكبار في السن حيث جرى اعتقالهم وتعذيبهم وقتل عدد منهم تحت التعذيب، ولم يفرج عن مئات الآلآف من المعتقلين في سجونهم السيئة جدا والذين يموتون نتيجة الجوع والتعذيب الممهج. 

لم يغير النظام سلوكه العدواني تجاه الدول العربية بعينها وزاد من حدة خطابه الاعلامي واعتبر قرار العرب باستنئاف العلاقات مع دمشق هو نصر لرؤية وخطاب واستراتيجية بشار الأسد وهزيمة نكراء للعرب الذين تحالفو مع الغرب ضده، ولعل زيارة الرئيس الإيراني التي سبقت القرار وهجومه على الدول العربية واتهام انها تابعة لامريكا والغرب وعملوا على تخريب سوريا يؤكد ذلك.

ما الثمن الذي سيدفعه الأسد مقابل العودة للجامعة العربية؟ هذه هي الشروط التي طُرحت ؟

هناك غموض واضح، فيما يتعلق بمدى تنفيذ النظام لـ"شروط عودة سوريا للجامعة العربية"، إن وجدت والتي كانت مطروحة في السابق من قِبَل الدول العربية، وهي شروط يتعلق أغلبها بتطبيق القرار الدولي رقم 2254، بما في ذلك إطلاق عملية سياسية تتضمن الحوار مع المعارضة السورية، وتعديل الدستور. وهي الشروط التي تمكن بشار الأسد بدعم روسي وايراني من التملص من تطبيقها رغم الضغوط الدولية في مجلس الامن والأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ... فهل ستنجح الجامعة العربية في الضغط لتطبيقها !؟

وخلال الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزراء الخارجية العرب بشأن عودة سوريا، كان لافتاً أن وزي الخارجية المصري سامح شكري، الذي ترأس الاجتماع، أكد في كلمته أن عودة سوريا تأتي في سياسة "خطوة مقابل خطوة"، ملمحاً إلى أن شروط عودة سوريا للجامعة العربية تشمل تسوية سياسية داخلية.

ويفهم من سياسة "خطوة مقابل خطوة" أنها تعني تقديم خطوات تمثل تنازلاً من قِبل النظام مقابل خطوات إيجابية من العرب، منها العودة للجامعة نظريا لكن الواقع العملي مؤكد أنه سيكون مختلفا لا سيما وان الخطوة الاولى المتمثلة بالموافقة على العودة جاءت بدون شروط، اضف ان النظام لديه تعريفه الخاص بمن هم "المعارضة"، فهو اصطنع "معارضة" خاصة به ولا يجد مشكلة بالتحاور معهم بأي حال ومن تبقى ينعتهم بالأرهابيين والمرتزقة لن يتحاور معهم خاصة وان تيارات منهم بالفعل (الإخوان المسلمين الذين يسيطرون على الأئتلاف) هم مصنفون بالفعل كتنظيم إرهابي في عدة دول منها مصر، السعودية ودول أخرى.

ولكن في المؤتمر الصحفي الذي عقده شكري مع أبو الغيط، عقب الاجتماع، وعندما سُئلا عما تم تطبيقه من شروط عودة سوريا للجامعة العربية، لمَّح وزير الخارجية المصري بأن نظام الأسد قدم خطوات مسبقة قبل عودته للجامعة العربية، دون أن يشير لمثل هذه الخطوات. تلك الخطوة تبين انها متعلقة في التنسيق لمكافحة تجارة المخدرات عبر حدود الأردن.

 وعود، يتجاهلها النظام

لم يشر بيان مجلس وزراء الخارجية العرب إلى شروط عودة سوريا للجامعة العربية، ولكن اكتفى بالترحيب باستعداد سوريا للتعاون مع الدول العربية لتطبيق مخرجات البيانات الصادرة عن اجتماعي جدة وعمان الذي ضم عدداً من وزراء خارجية (مصر والأردن ودول الخليج)، ويمكن القول إن هذين البيانين هما اللذان يتضمنان شروط عودة سوريا للجامعة. والاتفاق المذكور ركز على تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، الحد من نفوذ حزب الله، اطلاق حوار مع المعارضة، وقف تهريب المخدرات.

من جهته النظام السوري لم يصدر عنه ما يفيد بأنه على استعداد لتنفيذ شروط متعلقة بمسار التسوية السياسية أو عودة اللاجئين، بل رد بعجرفة على القرار.

عودة اللاجئين 

مسألة عودة اللاجئين ليست مرتبطة بأي حال بالنظام لوحده، فهو يقرر يتحذه هؤلاء اللاجئون على أي حال، وهم لم يجدو أن الأمان تحقق ولا يجدون أي تغيير في الظروف التي دفعتهم لمغادرة اعمالهم ومنازلهم حتى يعودوا، ورغم ذلك فلا يمكن القول إن النظام سيوافق على عودة أحد دون ملاحقة أمنية وتفتيش دقيق؛ بل على العكس اتخذ النظام قرارات لمنع عودتهم وإسقاط الجنسية عنهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم.

هل يمكن أن يخرج حزب الله من سوريا؟

أكد الوزراء العرب المشاركون في اجتماع جدة الذي أقر مخرجاته مجلس الجامعة، أهمية مكافحة الإرهاب بأشكاله كافة وتنظيماته، وأهمية قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سوريا على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، في إشارة واضحة إلى مطلب عربي بضرورة خروج الميليشيات الموالية لإيران، وعلى رأسها حزب الله.

الرد على هذا القرار جاء من دمشق قبل جلسة الجامعة عبر زيارة الرئيس الإيراني وماصدر عنه من تصريحات، باركتها دمشق. وتبقى مسألة خروج الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، مطلب لن يوافق عليه الأسد فهم الذين ثبتوا أركان حكمه الذي كان قريبا جدا من الأنهيار وهو يجد فيهم القوة والدعم والمساندة؛ هذه الميليشيات هي التي تحمي النظام. وهذه الميليشيات سبب رئيسي لأهمية سوريا بالنسبة لإيران، فضلاً عن أن الأسد يعمل على خلق توازن عسكري بين نفوذي إيران وموسكو عبر وجودهما معاً.

هل يمكن أن يطلق الأسد حواراً مع المعارضة؟

للنظام مفهومه الخاص عن المعارضة، فقد اختلق معارضة وفق مقايسسه ويمنحها هوامش في بعض المؤسسات وفي البرلمان، كما أن النظام محظوظ للغاية بالمعارضة التي تعيش في تركيا والمقصود هنا بالائتلاف فهم أكثر من خدمه بأي حال ولم يكن للدول العربية العودة الى دمشق لو وجدوا فيهم فرصة ليصبحوا بديلا عن الأسد فهم الذين قدموا لهؤلاء دعما هائلا ومنحوهم في يوما ما مقعدا في الجامعة العربية وسمحوا لهم بإشغال سفارات وفتح قنوات تلفزيونية وتشكيل كتائب مسلحة ومولوا مؤتمراتهم وفتحوا لهم أبواب الدبلوماسية لكن لم تتمكن تلك المعارضة من تحقيق شيء لا بل قاموا بالاقتتال فيما بينهم وسرقة الأموال واستغلال تمثيلهم الدبلوماسي لنقل عوائلهم ومحبيهم الى الدول الاوربية عبر وفود دبلوماسية لتقديم اللجوء.

بأي حال الحوار مع المعارضة لإطلاق تسوية سياسية، وتعديل الدستور، هو مطلب النظام كذلك لكن بطريقته، لا سيما وأنه افضل من يراوغ وظل يماطل في التعامل مع هذا المطلب في مسارات جنيف وأستانا.

ويبقى ما تعرف بمعارضة الداخل الموالية للنظام، اضافة لتيارات اخرى مثل هيئة التنسيق، ومنصات أخرى ك القاهرة وهي الجهات المرضيّ عنها من قِبل الروس، ومصر، وقد يمنح الأسد لهؤلاء تمثيلا ما في خطوات شديدة الشكلية لإعطاء طابع دستوري لاحكام سلطته المطلقة في البلاد.

وقف تهريب المخدرات من سوريا

المطلب الأهم بالنسبة للدول العربية فهو مسألة وقف تدفق المخدرات من سوريا إلى الأردن ودول الخليج، وقد بادر بتنفيذه فورا .. وهو في الأغلب الدافع الرئيسي للتحرك العربي لإعادة سوريا للجامعة. مع تأكيد الوزراء المشاركون في اجتماع جدة أهمية مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها في سوريا.

وقد يكون هذا الملف الذي سيقدم به الأسد تنازلات جزئية، إذ قد يخفف من تدفق المخدرات من سوريا للأردن ومنها للسعودية، ولكن سيكون تخفيضاً لا منعاً، وهذا التخفيف سيكون مرتبطا بالدعم المالي الذي سيحصل عليه الأسد مقابل خسارته في هذه التجارة الذي تدر عليه الملايين بعائدات ضخمة.

ولعل تضيحة نظام الأسد بأشهر مهربي المواد المخدرة ويدعى مرعي الرمثان هي رسالة طمأنة للسعودية بالدرجة الأولى، الرمثان الذي يعرف بلقب "ملك المخدرات" و"إسكوبار" قتل بعد يومين فقط من القرار، حيث تم استهداف منزله في قرية الشعاب بريف السويداء بغارة جوية أدت لمقتله مع زوجته واطفاله الستة، رغم أن الهجوم تبنته الأردن حيث كان محكوما فيها ب 10 أحكام قضائية وكان ملاحقا لسنوات إلا أن الرمثان كان هدية قدمها بشار الأسد للسعودية التي لا أستبعد انها من كانت تقف وراء الهجوم.

هل يتحسن وضع الأسد بالعودة للجامعة العربية؟

نظراً للنطاق الواسع للعقوبات الغربية المفروضة على نظام الأسد، فمن المرجح أن يمنح التطبيع سوريا شريان حياة سياسياً أكثر منه اقتصادياً، لكن الأسد لن يتمكن من الاستفادة من العودة للجامعة العربية، إلى أن تتمكن الدول العربية من إقناع المجتمع الدولي بقبول الرئيس السوري، وهي خطوة صعبة في ظل المواقف التي صدرت عن كل من الولايات المتحدة و الاتحاد الأوربي اللاتين اعلنتا ان العقوبات على سوريا سارية المفعول دون أي تغيير، وأن دمشق لا تستحق قرار استعادة مقعدها في الجامعة العربية، وأن الرئيس السوري ليس جديا في حل الأزمة السورية سياسيا.

لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية رحب باعتزام العرب في استخدام التواصل المباشر مع الأسد للضغط من أجل حل الأزمة السورية، التي طال أمدها وأن واشنطن تتفق مع حلفائها على "الأهداف النهائية" لهذا القرار.

الرئيس الأميركي علق على القرار بالتأكيد أن تصرفات نظام ‎الأسد ما تزال تشكل تهديدا غيرعادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة. كما اعلن تمديد حالة الطوارئ فيما يخص ‎سوريا لمدة عام.

مصطفى عبدي

9 أيار 2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ماهو رأيك ؟

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004

كتاب توثيقي عن انتفاضة 12 آذار 2004 1 و 2